واحد من التوصيفات السيئة التي يمكن أن يُنعَت بها معظم كبار المسؤولين ومتوسطيهم هو وصفهم بـ (قُطّاع الطرق)!
لكن هذا التوصيف ليس مبالغاً ولا يتضمن أي تعسف ضد أيٍّ من هؤلاء قُطّاع الطرق.
في أهون حال لن يكون لأي منهم أن يتقدم بدعوى قضائية ضدي وضد الجريدة بتهمة القذف، ولن يقوى على أن يطالبني بتقديم براهيني على ما يؤكد هذا الوصف.
إنهم قُطّاع طرقٍ بامتياز.. وهم حين يكونون قطاعَ طرقٍ فإنهم عادة ما يكونون بأبشع ما يكون عليه آخرون من قطاع الطرق في أي مكان في العالم لا يحكمه قانون ولا تضبطه أخلاق.
المسؤولون العراقيون الكبار وبعدهم متوسطو المسؤولية، وأحياناً كثيرة يكون معهم من لا مسؤولية له لكنه مثلهم يحب لعب دور قُطّاع الطرق..
كل هؤلاء لم يعد لهم من شغل ولا عمل سوى أن يكونوا قطاع طرق، هذا هو أسخف امتياز لا يخجل الواحد من ممارسته يومياً وأمام الملأ من ضحاياهم الذين يفور دمهم ساخناً من دون أن يرف جفن لهؤلاء السادة الملمعين الذين يمضون غير عابئين بقانون ولا عرف ولا أخلاق.
إنه مشهد يمكن لك عزيزي القارئ أن تصادفه في أي حين، في أيِّ شارع أو ساحة أو منعطف، وقد تكون الضحية الذي لا حول له ولا قوة أمام صلف هؤلاء واستهتارهم بكل شيء.
المشكلة التي أفكر بها وحتماً فكرت أنت بها كما فكّر بها كثيرون مثلي ومثلك هي كيف لي ولك أن نميز أن هذا الذي يظهر فجأة في شارع ويمارس مهنة قطاع الطرق ونكون ضحايا لتهوره وطغيانه هو مسؤول فعلاً؟
المسؤول كما اعتدنا يا قارئي العزيز على العين والرأس دائماً. ودائماً اعتدنا أيضا أن ذيل المسؤول هو الآخر على العين والرأس، بل عادةً ما يكون للذيل امتياز ربما هو أكبر من الرأس الذي هو سيده..
نحن قبلنا ونقبل وسكتنا ونسكت على أن يمارس كل هؤلاء مهنتم السخيفة، مهنة (قطاع الطرق).. لكننا لم نعد قادرين على التمييز ما إذا كان هذا الذي يقطع الطريق علينا هو سيد مسؤول وحتى ذيل مسؤول أم هو عدو إرهابي ابن كلب ينتحل صفتي السيد والحجي ويدوس علينا وعلى حياتنا وكرامتنا حين يتشبه بهم ويمارس مهنتهم كـ (قطاع طرق).
ولكن هل بات هذا التمييز ضرورة ومهما لنا؟
ما الفرق يا عزيزي وصديقي القارئ..
هل من المفيد أن تعرف وأعرف ما إذا كان قُطّاع الطرق من الأصدقاء أم من الأعداء؟
لا فرق، ما دمنا نسرق ونقتل ويهدر دمنا ووقتنا ومزاجنا وحاضرنا ومستقبلنا؟
الكارثة هي في أننا قبلنا بقاطع طريق أن يكون صديقاً!
لم نعبأ ولم نفكر أن لا فرق بين قاطع طريق يسرق وقد يقتل وبين قاطع طريق يوقفني ويوقفك أنت والعشرات الآخرين ليمر جلالته بضمير مرتاح وقلب منشرح، فهو يمر فيما الآخرون يقفون صاغرين.
أليس في هذا شكل بشع من أشكال القتل الذي يبدأ بجرح الكرامة واستباحة الحرية وسرقة الوقت وتمزيق الأعصاب..
وكلّ يوم تجرح كرامتنا وتستباح حرياتنا ويسرق وقتنا وتتمزق أعصابنا من أجل مرور آمن وسريع وكريم ومريح لهؤلاء قطاع الطرق.
كلما أوقفت، ويوميا أُوقف فأقف، أخسر جزءاً مما تبقى من كرامة وأستعيد ذكرى حرية كنت حلمت بها وها هي أهدرها بإذعاني الذي لا خيار سواه.
حين أتمسك بحريتي ولا أقف فلا أسهل من قتلي أو إهانتي..
ماذا تبقى على القتل إذاً؟
اللصوصية لها أشكالها المختلفة ووسائلها المتعددة؛ والقتل واحد وإن تعددت الأسباب والوسائل.
قاطع الطريق لص في كل حال، وكل لص هو قاتل أو مشروع قاتل.