مع أن هذا الموضوع يحتاج منا كتابا كاملا للإحاطة به، إلا أنني سوف اقتصر على خصائص ثلاثة تلمستها وأنا أعيش التجربة الشعرية للشاعر العراقي فلاح الشابندر لأهميتها بعد أن أصدر ديواني شعر هما " فحم وطباشير " و " سطر الشارع " والعشرات منها ستكون دواوينه القادمة، لكن قبل أن نتحدث عنها أو نلم بها دعونا نتحدث عن سؤال مهم دار في خلد الناقد الأمريكي بن ليرنر أستاذ اللغة الإنكليزية في كلية بروكلين:
"هل الشعر يجعل منا بشرا؟ "
وذلك لعلاقته بموضوعنا كون المتحدث عنه كثيرا ما تناول من خلال قصائده هذه المفردة الإنسان وهو الوريث الشرعي لهذا الكون، ليرنر يقول : - وقد تعلمنا في سن مبكرة أن الشعراء جميعا تحكمهم إنسانيتهم في كل ما يقولونه من شعر ولديهم القدرة على كتابته بمقياس ما يشعرون به من إنسانية ، على الأقل هذا ما كنا ندرسه بعدئذ فالشعر هو أنقى تعبير للمشاعر الداخلية غير القابلة للاختزال.
( 1 ) . في إحدى قصائده المعنونة "ضربة فرشاة" يقترب الشاعر هنا من تصوير أولى خصائص شعره وهو الكون الذي أصبح في منظوره عاري، أبكمْ، وهو بذات الوقت على هيئة إنسان دعانا لسماع عزفه المنفرد وسط فراغ يشكو ، يتألم: عريٌ أبكم من أقصى البراري يتشرف السيد فراغ ..... الفراغ الكبير بدعوتكم ...... لسماع عزف منفردْ عزف الرفيف الرفيف المجنح يذكي الحقل لحنا نديا أو عندما يتكلم عن وجع الأحلام، وجع الإنسان: يا أيها أنتم......؟؟
بين مساقط الضوء والظل..
أوجعتم.. حلمي.؟؟
هذا الوجع يكاد يكون كوني في نصوص شاعرنا وهو ما يجرنا إلى عالمية الشعر كما يقول ليرنر ، هو يكتب بطريقة "السخرية السقراطية" نسبة لسقراط الذي ينسب له هذا المنهج المعروف باسم (Elenchus ) ، ولو سألنا الشاعر عنه سوف يقول ( لا أعرف ) وهي الثيمة المحببة له التي يطلقها عند كل سؤال، مع أنه لا يزال مستخدما في مجال واسع من النقاشات التي يسعى إلى إثارتها مع كل نص له، كما أنه نوع من أنواع ( البيداجوجيا) وهو علم التربية التي بحسبها تطرح مجموعة من الأسئلة ليس بهدف الحصول على إجابات فردية فحسب وإنما كوسيلة لتشجيع الفهم العميق للموضوع المطروح الذي وصفه أفلاطون وهو من قام بإسهامات مهمة وخالدة في مجالات المعرفة والمنطق.
( 2 ) . ليس هذا فحسب بل هناك وحدة تحكم يستخدمها الشاعر حينما يرسم لنا بحروف قصائده إيماءاته اللغوية الغارقة بالرمزية كقوله:
اليوم ...... أحمل الصمت أن تعيره أذنا حتى يتمم فرائضه هذه الوحدة هي سر نجاح نصوصه حينما يتوقف أمام تلك الثيمة الكون والإنسان ليحث من خلالها ذاكرتنا المتوقفة منذ زمن فاشتراطاته هي هذه كما لو كان يأخذ بأيدينا إليها عابرا بنا حدود الخيال نحو واقع متجذر غير خفي كما يقول:
في خلوة...... محرمة أقرأ مثلما أتهدم جميع النفس كتبت وهما وهما يشبهنا نتناساه قصدا وبغفلة متعثرة بالمتراكم تعثر علينا الصدفة والتي لم ) نقر ) أن الصدفة ترتب الأدوار............ زعيم.... أنا في كتابه " النثر الرائع " للشاعر الإنكليزي فيليب سيدني الذي يذكر بوصفه من أبرز الشخصيات في العصر الإليزابيثي وجدت له مقولة كبيرة في معناها: " الشعر يتفوق على التاريخ والفلسفة، هو يمكن أن يحرك فينا مشاعرنا، أحاسيسنا، كل قطرة دم فينا، هو ليس فقط يعلمنا الحقائق بل يحلق بنا بعيدا محاولا العثور عليها بعد أن عزّت بيننا"، هذه المقولة تنهي خاصية الكون والإنسان معاً وقد بدأنا بهما لنذهب بعدها وبنصوص قليلة نحو العاطفة وهي الخاصية التي ننهي بها قراءتنا هذه دون استطراد منا كونها تشي بالكثير مما هو مخبوء ، يقول: الكلمة.... عين كلمتي تراك قالت صديقتي أنا....... رسمتك بحلمي هذه هي قدرتي لست شاعرة ولكني امتلك المشاعر ........!!!!
ونص آخر أخير :
إلى صديقتي .......
أغمضي عينيك ؟
لتريني ...... ...........
هوامش:
( 1 ) مجلة شعر الأمريكية
( 2 ) World Encyclopedia