لا اتحدث عن بوابة اثرية بعينها.
انه منهج في قراءة النصوص الدينية.
وهذا النوع من القراءات يهتم بالتعرف على كيان النص وذلك من خلال رصد عملية نموه الداخلي من جهة، ومن خلال تتبع الكيفية او الكيفيات التي تم التعامل بها معه خلال مسيرته نحو اكتمال وجوده بين الناس كنص نهائي مصون عن الزيادة والنقصان.
والقراءات بهذا المعنى تهيء للقاريء مناخا واسعا لفهم النص تفسرا او تأويلا ومن دون التقيد بأليات معينة او محددة باطر الاحاديث والمرويات، فهي بذلك اعم من التفسير بالمعنى المصطلح عليه.
لكنها في الوقت ذاته تستند على قاعدة مشتركة مع المناهج التقليدية كالمنهج الترتيبي او التجزيئي القائم على اساس التفسير أيه أيه، او المنهج الموضوعي القائم على اساس استخلاص النتائج في موضوع ما بعد طرحه على النص ككل وان كانت أياته مبثوثة في المجموع.
بل يمكن القول ان هذه القرأءات امتداد للمناهج التقليدية وتطويرا لها، لانها تعتني بالظروف التاريخية لزمان النزول وبالحالة الاجتماعية لمكان النزول، وهذه هي الميزة الزائدة عن المنهجين، بالاضافة الى ان المناهج ككل تشترك في جعل النص متحدا ومفسرا لبعضه الاخر.
لكن الملاحظ على هذا المنهج انه غريب عن المناهج التقليدية وليس امتدادا لها، لان الدعوة الى ارخنة النص القرآني هي في واقعها ذات الدعوة التي اطلقها علماء اوروبا منذ القرن التاسع عشر بالنسبة للتوراة والانجيل، وهي الطريقة التي سار عليها ودعا اليها المستشرقون لدراسة ظاهرة الوحي توراتا ام انجيلا ام قرأنا.
فالمنهج المعاصر ليس امتدادا للمناهج التقليدية وانما امتداد للفكر الاستشراقي في فهم النصوص الدينية واخضاعها للدراسة والتنقيب ومن دون الاعتداد بقدسية النص من عدمه..
واين هذا من القران الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولهذا السبب كان مصير من اتبع هذا المنهج من القراءات ان شكك في قداسة النص القراني والوهيته من خلال تنزيل النص القراني منزلة النص اللغوي ومن ثم اخضاعه لعمليات النقد الادبي..
هذا الامر جعل القراء المعاصرون يبحرون ضد التيار.
وهذا بطبيعة الحال خلل لابد من الوقوف عنده مليا، لكنه خلل في طريقة سلوك المنهج وليس خللا في المنهج ذاته، خطا في النتائج التي خرج بها القارئ نفسه اذ لكل قارئ مرجعياته الفكرية التي تنعكس على استنتاجاته، وليس الخطأ في القواعد والوكائز التي يعتمد عليها المنهج.
ولا ننسى ان القضية برمتها قد تكون حلقة من حلقات دائرة الصراع بين الحداثة والاصولية.
لكن كون المنهج المعاصر من فصيل المناهج الاستشراقية والتي ينبغي طرحها جانبا لانه من مقولة كل بدعة ضلالة ولانه خروج عما اصله السلف الصالح من التقيد بالضوابط الماثورة في التفسير ، فأعتقد ان الفكرة ذاتها كانت تقف حائلا امام النصوص النبوية ايضا وبالتالي جمدت الفقه المستمد من النصوص ولقرون مديدة.
وما يقال عن رجالات هذا المنهج وانهم اناس متطفلون على علوم القرأن وليس لهم اهلية الاقتراب من القرأن وكشف كنوزه وانهم في الاغلب ممن يتعاطون الفلسفة وهذا الذي جعلهم يتخبطون في استنتاجاتهم وو يحملُون اعبائها على القرأن.
لكن هذا لا يضر.. اذا تسالمنا على صحة المنهج فاليلج الباب من هو اهلا له.
وصحة المنهج من سقمه تظهر في راجحية امتيازاته على ثغراته، ولعلنا لا نختلف في منهج يحقق لنا ما يلي:
* ان كل كلمة من كلمات القرأن سوف تتعرض لدراسة تأريخية كاملة في مادة مستقلة على حدة.
ومن الواضح انه اذا ما ذهب هذا المشروع الى نهاياته فأنه سيلقي اضواء تاريخية رائعة على النص القرأني، وسوف نعرف عندئذ جذور كل الكلمات القرأنية ومن اين جاءت وما هي علاقتها بالزمان والمكان، اي القرن السابع الميلادي وبيئة شبه الجزيرة العربية.
* وحدة في السلوك والطريقة وان اختلفت خلفيات السالك الفكرية.
* انهيار التخندق المذهبي في السلوك، اذ لا تجد قراءة سنية للنصوص القرأنية معتمدة على روايات سنية وبطرق سندية مرفوضة شيعيا. ولا تجد قراءة شيعية للنصوص القرأنية معتمدة على روايات شيعية وبطرق سندية مرفوضة سنيا.