لا يتوهم من العنوان اني سأنقل وقائع حدثت في الموصل او الرقة، انما هي حكاية امرأة نقلها لنا التاريخ المقدس ضمن احداث السنة السادسة حيث كانت تعيش كسيدة قومها معززة مكرَمة، وكانت غاية في الحسن والجمال ورجاحة المنطق.. وذات ليلة وجدت نفسها وقومها محاطة باسنة الحراب، ولا خيار سوى الاستسلام لامر الله والطاعة لجند الله. استسلم القوم اجمعون اصغاءا لصوت العقلاء منهم على ان يختاروا احد الحكماء للقول الفصل. وقع الخيار على سعد الحكيم لينصفهم ويخرجهم من ذلك المأزق الفجيع. صدر حكم الحكيم وسط ذهول الناخبين، قال سعد: تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري الله اكبر.. استبشر جند الله بحكم الحكيم وعلى الفور اٌمضي الحكم من قبل القائد الملهم: حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة (سموات) فجيئ بالرجال المستسلمين ومدت اعناقهم ونحروا كما ينحر الكبش. حفر لهم خندقاً وألقيت جثثهم فيها، في مقبرة جماعية وسط سوق المدينة. عدد القتلى كما يروي الرواة سبعمائة او ثمانمائة. وجئ بوالد المرأة الحسناء ويداه مجموعتان إلى عنقه بحبل فقال القائد الملهم: أيها الناس أنه لا بأس بأمر الله وقدر وملحمة كتبها الله.. ثم جلس وضرب عنقه.
والقيت جثة والد الحسناء مع بقية جثث الرجال في خندق سوق المدينة. ثم نودي على المراة الحسناء فجاءت مع صديقتها يجرَهما بلال الى حيث جثث القتلى، فلما راتهم صديقة الحسناء صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها.. فلما رآها القائد قال: أغربوا عني هذه الشيطانة!
ثم قال لبلال أنزعت من الرحمة يا بلال حيث تمر بإمرأتين على قتلى رجالهما! ولعل موقف الحسناء كان اشد ايذاءا من صديقتها وان لم تنقله الاخبار، لانها مرت على ثلاثة رؤوس مقطعة لابيها واخيها وزوجها كنانة. ثم جمعن النسوة في صعيد واحد معروضات للبيع. وهنا يظهر دور سعد الحكيم في القصة، حيث اقترح ان تباع السبايا في الشام لتدرعليهم ارباح طائلة فسوق الشام اكثر طلبا لمثل هذه البضاعة من سوق المدينة. وقع اختيار جند الله على عبد الرحمان لقسمة السبايا وتصنيفهن بحسب الفئات العمرية لتسهيل عملية انتقائهن من قبل الزبائن.
عجائز وشابات
سوق المدينة يتجاذبه تاجران كبيران عثمان وعبد الرحمان وليس غير الاوكشن كان منحصرا بعثمان وعبد الرحمان لوفرة ما عندهم من اموال فأختار عثمان العجائز وأخذ عبد الرحمن الشابات! وفي ظنه انه ربح الرهان باختياره للفتيات. انها الحكمة في الاختيار. وجعل عثمان على كل واحدة منهن شيئا إن أتت بها عتقت، فكان المال يوجد عند العجائز ولا يوجد عند الشابات فربح عثمان مالاً كثيراً. اما بطلة القصة الفتاة الحسناء بنت الحسب والنسب فكان سوء حضها ان تقع من نصيب دميم الخلقة, لكن الامور لا تسير كما يشتهي المتربصون، فكان لجند الله رأي مخالف، فالفتاة الحسناء لا تصلح الا للقائد فاشتراها القائد بسبعة رؤوس فبعث بها إلى أم سليم تصلحها. حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم، فأهدتها له في الليل، وهو بعد لم يعد الى الديار فضرب لها خيمة ودخل بها تلك الليلة. وبات ابو ايوب يحرس القائد ليلة دخوله على الحسناء قائماً قريباً آخذاً سيفه حتى أصبح الصباح وخرج القائد. فكّبر أبو أيوب.. وقال: لم ارقد ليلتي هذه فقال له: مالك يا أبا أيوب؟ قال أبو أيوب: لما دخلت على هذه المرأة ذكرت أنك قد قتلت أباها وأخاها وزوجها وعامة عشيرتها فخفت لعمري والله أن تغتالك، فضحك.. وقال له معروفاً.
مصادر القصة: سيرة ابن هشام، رواية انس، احداث السنة السادسة للهجرة صحيح مسلم، باب من اعتق جارية ثم تزوجها الطبقات الكبرى لابن سعد منتخب كنز العمال، سنن الاقوال للشيخ على المتقي الهندي.