هذه قراءة اقتباسية في كتاب "من يمتلك العالم" للفيلسوف وعالم اللغة الأميركي المعروف نعوم تشومسكي أحاول من حلالها التعريف بالفقرات التي بدت لي الأكثر اهمية دون أن يعني ذلك عدم وجود فقرات وصفحات كثيرة مهمة وربما أكثر أهمية في الكتاب ودون ان تغني هذه القراءة عن قراءة الكتاب نفسه فهي تبقى قراءة جزئية وناقصة تحاول تسليط نقاط من الضوء على بعض المور التي اعتقد بأهميتها وأولويتها. أشير هنا إلى أن اختيار المترجم أسعد الحسين لهذا الكتاب والإقدام على ترجمته شيء مهم وجريء يسجل للمترجم وللدار التي نشرته في عدة طبعات متوالية "دار نينوى – دمشق" ولكن الموضوعية تدفعني الى القول أن الترجمة كانت مضطربة وضعيفة وحافلة بالأخطاء اللغوية مما دفعني الى التصرف الأسلوبي حسب سياق الكلام وذلك لأن النص الإنكليزي للكتاب المترجم لم يكن بحوزتي وهذا ما ضاعف من صعوبة القراءة والاقتباس.
5- سحور بحور الخصخصة:
كتب تشومسكي (هناك تكتيك نموذجي للخصخصة وهو، أوقفْ تمويل ما تريد تخصيصه، مثلا: رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر أرادت أن توقف تمويل السكك الحديدية، أول شيء فعلته هو وقف تمويلها وعندما لا تعمل والناس يغضبون ويريدون التغيير، يقولون: حسنا، خصخصوها ثم تصبح أسوأ، وفي تلك الحالة تتدخل الحكومة لإنقاذها. ذلك هو التكتيك القياسي للخصخصة: لا تمول ولا تدخر في صناديق، وتأكد أن كل الأشياء لا تعمل، سيغضب الناس، سلمها لرأسمال خاص. "...." في الحقيقة هناك هجوم على مستوى كبير على التعليم الحكومي وهو مؤسس على المبدأ نفسه، إن استطعت التخصيص.. والتكتيكات نفسها تستخدم.
جفف تمويله لكي لا يعمل، تذكر: لأنه لا يعمل، خصخصه يزداد سوءا. لكنك بذلك تكون قد قوضت التضامن الاجتماعي وهذا مناسب جدا للأثرياء في كافة الأحوال لأنهم سيحصلون على ما يريدون.
إن هذا كله جزء من الحملة الهادئة المؤثرة من الحرب الطبقية التي لها أوجه عديدة..) من يمتلك العالم ص 223 وما بعدها.
6- الحرب السرية التي جعلت تشومسكي ينهار باكيا: سمعنا وقرأنا الكثير عن الحرب العدوانية الأميركية على فيثنام، ولكننا لم نسمع الكثير عن حرب سرية شنتها الولايات المتحدة سرا ودون علم الكونغرس والشعب الأميركي على بلد صغير ومسالم هو لاووس، وعن موقف وجهود تشومسكي وأصدقائه في كشف حقيقة هذه الحرب السرية العدوانية.. كتب فريد برانفمان (قبل اثنتين وأربعين سنة مررت بتجربة فريدة إذ أصبحت على علاقة ودية مع شاب اسمه نعوم تشومسكي، تشكلت صداقتنا حول القلق من هذه "الإبادة" حين زار لاووس في شباط 1970.
كنت أعيش في قرية لاووية واتكلم اللغة اللاووية.
وقبل خمسة أشهر صعقت من صميم قلبي حين قابلت أول لاجئ لاوي جلب إلى فينتايان من سهل الجرار الفخارية في شمال لاووس الذي كانت تسيطر عليه قوات الشيوعي باثيت لاو منذ 1946.
اكتشفت برعب أن قادة الفرع الإداري للولايات المتحدة كانوا يقصفون سرا القرويين المسالمين لمدة خمس سنوات ونصف، مجبرين عشرات الآلاف على الاختباء تحت سطح الأرض وفي داخل الكهوف حيث أجبروا على العيش مثل الحيوانات.
عرفت أن اعدادا لا تحصى من الجدات اللواتي دفنَّ أحياء بقنابل النابالم، ومثلهن من الأطفال الذين دفنوا بقنابل الـ 500 رطل، والأمهات اللواتي مزقتهن القنابل المضادة للأشخاص.. تلمست خرادق من هذه القنابل على أجساد الذين حالفهم الحظ بالنجاة.. عرفت أن قصف الولايات المتحدة لسهول جرار الفخار حول حضارة عمرها 700 سنة حولها القصف الى أرض خراب. اكتشفت أن قادة الفرع الإداري للولايات المتحدة هناك قاموا بهذا القصف من طرف واحد بدون الإخبار أو الحصول على موافقة من الكونغرس أو الشعب الأميركي . القصف الأميركي لم يكن مستمرا فقط بل كان متصاعدا أيضا. "...." حين سافرنا معا إلى مخيم يؤمه لاجئون من سهل الجرار أخذت معي عشرات الصحافيين وغيرهم من الناس إلى المخيم ووجدت أنهم كانوا كلهم تقريبا بعيدين عاطفيا عن معاناة اللاجئين، وسواء كان بيرنارد كلاب من السي بي ا، ساو ويلز من الـ أن بي سي أو سيدني شانبيرغ من نيويورك تايمز كانوا يصغون بأدب ويطرحون أسئلة ويكتبون ملاحظاتهم يعودون إلى فنادقهم ليحفظوا أخبارهم في ملفات.
لقد أبدوا القليل من العاطفة او اهتمام ... أما مع نعوم تشومسكي فقد ذهلت حين كنت أترجم أسئلته وأجوبة اللاجئين وإذا بي أراه ينهار فجأة ويبدأ بالبكاء.
لقد تأكد لي في تلك اللحظة أنني كنت أرى روحه من الداخل، والصورة المرئية له وهو يبكي في ذلك المخيم بقيت معي إلى الأبد منذ ذلك الحين.
وحين أفكر بنعوم فهذا ما أراه. حين قدنا السيارة عائدين من المخيم في ذلك اليوم، ظل نعوم هادئا ولكنه ظل أيضا مرتعشا لما عرفه. وفي الصمت، تشكل رباط ضمني بيننا لم ننافشه أبدا: فبمجرد أن تعرف أن هناك أناساً أبرياء يقتلون كيف يمكنك أن تبرر لنفسك القيام بأي عمل آخر غير محاولة إنقاذهم؟ المصدر: من يمتلك العالم ص 309 وما بعدها بتصرف أسلوبي طفيف). 7-لماذا يكره اللبراليون تشومسكي؟ كتب تشارلز غلاس: (تشومسكي محافظ ومرتاب صراحةً بالسياسيين ومديري الشركات. ربما تفسر هذه - المحافظية - السبب في كون نقاده الأكثر حدة هم من اللبراليين. اثنتان من الصحف اللبرالية البريطانية هما الغارديان والأوبزيرفر هاجمتاه بشكل متكرر أكثر مما فعلت صحافة اليمين.
ربما أثار تشومسكي غيظهما - الغارديان والأوبزيرفر - لأنه كشف الأخطاء التي ارتكبت على صفحاتهما بين حين وآخر، وخصوصا في مناطق الحروب.
المحرر ومراجع الكتب في الأوبزيرفر رافائيل بيهر لخص مراجعته لكتاب تشومسكي " آمال وتوقعات" بقوله (على تشومسكي أن يدرك السخرية في كونه يدين بنجاحه المهم - في ميدان علوم اللغة - إلى النظام - الرأسمالي - الذي يزدريه ).
دعونا نفترض أن بيهر على حق حين يقول إن نجاح تشومسكي المهم للنظام الحاكم وليس لعبقريته وتبصره في طبيعة اللغة الذي بدل الفلسفة الحديثة وعلم النفس بقدر ما فيه من دراسات لغوية، ولكن أ ليس على يبهر أن يقول بالمقابل أن زخاروف - المنشق السوفيتي - يدين بنجاحه أيضا، وبالمقابل، إلى نظام الحكم – السوفيتي الذي ازدراه؟ لا يستطيع أفراد الانتلجنسيا – النخبة المثقفة - اللبرالية أن يتحملوا تشومسكي لأنه فضح خداعهم في كتابه وفي منشورات وخطب كثيرة سابقة.
ولأنه قارن "التدخل الإنساني العسكري" اللبرالي مع التبرير البلاغي الذي استخدمه النازي هتلر حين "أجبره واجبه" لحماية الأقلية الألمانية على احتلال تشيكوسلوفاكيا. يزعم الغزاة دائماً السبب الأخلاقي السامي مثل أولئك المتنمرين في باحات المدارس الذين يضربون الأطفال صغار السن من أجل مصلحتهم! كولومبس مثلا زعم الهدف الأخلاقي السامي في جلب الديانة المسيحية أي الخلاص إلى أهل منطقة الكاريبي والأراواك وغيرهما من شعوب الكاريبي والتي أبيدت حالا. الفرنسيون جلبوا الحضارة إلى الجزائر سنة 1830 وسيطروا - مصادفة! - كما فعل البريطانيون في أفريقيا أخصب الأراضي و وزعوها على المستعمرين البيض، وكذلك أحرق الجيش الأميركي قرى فيثنام لإنقاذها. لدى الفاتحين الغزاة كلهم شيء مشترك هو ( الوسيلة والإرادة لقهر الآخرين) .
المصدر: من يمتلك العالم ص332 وما بعدها بتصرف أسلوبي طفيف).
*من الواضح أن هذه المعايرة (لو لا النظام الرأسمالي لما نجحت أكاديميا وعلميا يا تشومسكي!) ليست حكرا على رافائيل بيهر، الصحافي اللبرالي في الأوبزيرفر البريطانية، بل يشاركه إياها بعض من زملائه من "لبراليي وإسلامي" بغداد وخصوصا من المدافعين عن الاحتلال ونظام المحاصصة الطائفية، الذين يعيرون زملائهم المقيمين رغم أنوفهم منذ عقود في الخارج حين يختلفون معهم بالقول: (أنتم تعيشون وتدرسون في جنة أوروبا الرأسمالية وتشتمونها ثم تنتقدوننا لأننا لا نشتمها معكم!) وكأن الأمر يتعلق بمباراة في الشتائم وليس باتخاذ موقف حقيقي من حرب إبادة وتدمير معلنة ضد شعبهم ووطنهم جميعا!
يتبع في الجزء الثالث.