لمن يتابع أخبار الأمم، ويتتبع تفاصيل حياتها وتراثها وعاداتها وتقاليدها، يجد أن أغلبها تتهيأ خلال أيام معينة من السنة تستذكر فيها مناسبات عديدة، منها قومية ومنها دينية ومنها اجتماعية وأخرى تاريخية وعقائدية، وأخريات حسب ثقافات الشعوب وتقاليدها وأعراقها، ويطلقون عليها مسميات عدة منها يوم الأرض، ويوم اللغة، ويوم شم النسيم، ويوم الثقافة، ويوم المرأة، ويوم محو الأمية، ويوم المعلم والطالب والطفل، والمسنين والمعاقين والمكفوفين، وأيام أخرى كثيرة، ومنها ما يطلق عليها أسبوعا، كأسبوع النظافة، وأسبوع المرور، وأسبوع الرضاعة الطبيعية.
وهناك أعياد كذلك لا تفوِّت شعوب كثيرة فرصة الاحتفال بها، كعيد الشكر والفصح والقيامة، وكذلك عيد الحب وعيد الأم ايضا.
قبل يومين حل علينا عيد الفطر، وقطعا هو ليس لصائمي رمضان فحسب، فالذي قضى شهر رمضان مفطرا، والذي صامه إيمانا واحتسابا -وكذلك الذي صامه رياءً- والذين أفطروا علنا، عليهم جميعا هل هلال العيد، وما علينا في صبيحة أول أيامه غير قول كل عام وأنتم بخير، سواء أكان السامع صائما أم لا!.
ونحن في عراقنا الذي يشغل حيزا من كوكب الأرض مساحته (437,072) كم2، نعوم في الكون اللامتناهي، غارقين جميعنا في جملة مشاعر وأحاسيس، مخيّرين بين الحب والكره، والود والبغض، والرضا والضغينة، والسلام والحرب، والانسجام والتنافر، والوئام والعداء، ولنا الخيار فيما بينها! ومن غير المعقول أن ننفرد عن مئات البلدان في طمس مناسبات مثل هذه، أو لانتفاعل مع طقوسها.
إن أول سيئة جناها علينا سلاطين البلد وحكامه على مر التاريخ، هي عزلنا عن مسيرة باقي الأمم التي تحضرت بعد حضارة وادي الرافدين، وهم قطعا بهذا قاصدون لاناسون، واعون لاغافلون، متعمدون غير ساهين، بكل ماأتت به خططهم وبما كانوا ينسجون.
فهم أرادوا سحب الأرض التي نقف عليها من تحت أقدامنا، فأول ماسنّوه وماانتهجوه هو إبغاضها في نفوسنا، وقطعا كل من يشعر بانتمائه للارض أمامه مساحة واسعة يترجم بكل شبر فيها شعوره، وأول شبر هو ماتحت قدميه، وما تطأه أقدامنا نحن العراقيين أرض تستحق منا كل الحب والولاء، وكيف لا!
وهي مهد الحضارات، هي مهبط الأنبياء، هي مرقد الأولياء والأوصياء، هي منبع العلوم والفنون والآداب، وكم تكون النتيجة محزنة لو استطلعنا عدد العراقيين الذين يعرفون تواريخ أعيادهم ومناسباتهم، إذ سنجد أنهم نسبة قليلة جدا.
ولو تساءلنا؛ لِمَ لم يعرفها الباقون؟
ومن المسبب في ذلك؟
وكيف حصل هذا؟
نغرق في دوامة التساؤلات، والاجابة ليست صعبة، لكنها مُرة..!
فأنّى للعراقي ان يعرف عيد الحب مثلا، او يوم الارض او يوم الشجرة او يوم المرأة او يوم شم النسيم، وهو لاهث بين الخوف والخبز والموت والمنفى، وما ذلك إلا نتاج مايفعله أرباب الحكم والحل والعقد الذين تعاقبوا وتناوبوا على مر العقود في مسك السياط وجلده لأنه... عراقي فحسب، عاش حياته مذ وعى لايعرف غير (جاك الذيب جاك الواوي) معذور انت ياعراقي، كيف يتسنى لك تمييز الأعياد والأيام وانت كما يقول المتنبي:
لا يُعجبنَّ مضيمًا حسنُ بِزَّته
وهل يروق دفينا جودةُ الكفن؟
أذكر زميلا إعلاميا قام باستطلاع آراء في عيد الأم العام الماضي، ومن ضمن الأماكن التي زارها في بغداد، سوق شعبي في حي من أحياء العاصمة بغداد، فرأى امرأة كبيرة السن مفترشة الأرض، متوشحة سوادا من هامة رأسها حتى أخمص قدميها، كباقي العراقيات اللائي دأبن على ارتداء هذا اللون في كل المناسبات، كانت هذا المرأة تحتضن صفيحة صدئة مثقبة بعشوائية، فيها بقايا جمر ورماد يقيها قرَّ الشتاء، ويدفئ أوصالها التي ترتعد بردا وهي ناشرة أمامها (بسطيـّة) فيها أشياء عديدة الأشكال ومتنوعة الاستخدامات، إلا أنها تشترك في شيء واحد هو ثمنها..!
إذ كان صوت المرأة المبحوح ينادي بانكسار مايبوح بالتسعيرة الثابتة لما تبيعه وهي:
(حاجة بربع... حاجة بربع... حاجة بربع...)
سألها زميلي: حجيّة ما رأيك بعيد الأم؟
أجابته بسليقة أمهاتنا العراقيات الـ (شبعانات ضيم) جوابا لاأظنه يحتاج تعليقا او توضيحا، بل أترك هذا لقارئ سطوري، إذ قالت له:
(خايب آنه عيد الله واكبر ما اعرفه شنهو)..!