هاقد أوشك شهر تموز على الانتهاء، وهو معروف عند العراقيين بقيظه الشديد، وهو الشهر المسمى في صفحات العم (Google) تموز أو دموزي (Tammuz – Dumuzi) ومعنى المفردة (الإبن المخلص) وهو أحد حارسي بوابة السماء، والمسؤول عن دورة الفصول عندما يبعث حياً كل ستة أشهر، عند شهر تموز رابع شهور التقويم البابلي، ومن ألقابه الراعي والثور الوحشي، ومن وظائفه الأخرى الإشراف على المراعي وهو إله الحظائر، ويمثل عنصر الذكورة في الطبيعة، وزوجته هي الآلهة عشتار.
كان هذا الشهر عند العراقيين إبان حكم الطاغية مليئا بالأفراح، وقطعا هي أفراح فئة على حساب أتراح فئات وشرائح كثيرة من الشعب العراقي، فالأفراح فيه من صنع منظمة البعث الدموية لأزلامها حصرا، والأتراح لـ (ولد الخايبة) منهم كاتب هذي السطور، ومنهم أيضا قارئها، ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وهم صابرون على الأحوال كلها، وجميعهم "ما بدلوا تبديلا"..! إذ شاءت أقدارهم أن تنزاح غمة البعث من سمائهم، لتأتي غمة لم تكن بالحسبان، فقد أتت أشد حلكة وأكثر عتمة و "ساءت مصيرا".
وكانت أيام تموز تشهد عرسا زيتونيا بطلاقة، رغم أنف ألوان الورد والود والحب والسلام كلها، فالأخيرة كانت مسحوقة مقهورة، ولم تكن الروح ولا الدم ينشدان الحب والوئام، بل كانا تناديان "بالروح بالدم نفديك ياصدام". وهانحن جنينا ومازلنا نجني ثمرات ذاك الحب والفداء علقما مريرا.
وبما أننا نقترب من إسدال ستار تموز، أوجه رسالة للذين كانوا -ومازالوا- يفرحون به من ورثة حزب البعث وأزلام قائده، أقول فيها:
أعزيكم بفقد فرحتكم في تموز بعد أن فقدتم قائدكم وحبيبكم والأب الروحي لكم الذي كنتم وما زلتم أبناءه البررة، حيث وفـَّيتم وكفَّيتم بما أنشأكم وربّاكم ووجَّهكم عليه، وصُنتم رسالته بكل إخلاص وانقياد وطاعة، وكنتم ومازلتم شديدي الحرص على العمل الدؤوب وفق مبدئه ومنهجه وأساليبه وخططه، متخلـِّين من أجله عن جميع قيمكم ومُثلكم وشرفكم وناموسكم، لترسيخ وإعلاء رايته، وفرضها على إخوانكم من بني جنسكم. فأصالة عن نفسي ونيابة عن الشعب العراقي، تقبلوا منهم ومني أصدق التعازي..
المشمولون بالتعزية:
- - المسؤولون الذين هم عن شعوبهم ساهون ولمقاعدهم فقط حافظون. وعن البناء والإعمار هم معرضون، ولتعزيز أرصدتهم واستثماراتهم وشركاتهم خارج العراق هم يلهثون.
- - البرلمانيون الذين لم يكتمل النصاب بهم، والذين اكتمل النصاب بهم لكن أكثرهم للشعب كارهون. الذين لحقوقهم مسرعون ولحقوق الشعب مبطئون، وبالإجازات المرضية والسنوية مبالغون، وبقرعة الحج والعمرة كل عام رغم واجباتهم هم فائزون.
- - المتـهَمون بجرائم ضد الشعب العراقي من الذين ثبتت إدانتهم، والذين لم تثبت وعن العدالة هم هاربون. والذين عليهم في بيوتهم وأقاليمهم ودولهم يتسترون، والمحكومون غيابيا وعلى القانون هم ملتفون.
- - الوزراء: الذين يقولون ما لايفعلون، والذين يراؤون ويمنعون ماعون خيرات البلد عن أهله. والذين عن توفير الخدمات لشعبهم مقصرون، وعلى المشاريع الوهمية هم يتعاقدون.
- - وكلاء الوزراء: الذين إذا ائتمنوا خانوا، واذا وعدوا أخلفوا، واذا حدثوا كذبوا. الذين يمشون في الأرض مرحا، والذين يعيثون في الأرض فسادا وإفسادا ماليا وإداريا، وعن أكل السحت لايتورعون.
- - قادة الجيش وقوات الأمن الذين يخالون العراق ثكنة عسكرية، يمارسون فيها هوايتهم في إبراز عضلات الرتبة والمنصب العسكري، مستغلين نفوذهم وتسلطهم على رقاب العباد، متناسين شرف اللباس العسكري، مهملين إيلاءه حقه من الإكبار والإجلال والهيبة والاحترام، تاركين واجباتهم في حفظ الأمن وتوفير الأمان للمواطن.
- - رؤساء اللجان البرلمانية وأعضاؤها الجالسون على أحر من الجمر بانتظار مصيبة في البلد ليكلفوا بتشكيل لجنة تحقيقية، لالدرء المصيبة وشرها عن البلاد، بل لعقد الصفقات والاتفاقات المريبة بحسابات مادية تصب في جيوبهم، رافعين شعار أنا ومن بعدي الطوفان.
معذرة لمن لم أذكرهم فهم كثر ولم يتسنَّ لي ذكرهم لضيق المقام - على سعته- ولو خصصت لي سيدتي رئيسة تحرير بانوراما، صفحات الجريدة برمتها، لامتلأت ولطلبت منها إسعافي بملحق أو اثنين أو عشرات لذلك.