على نغم الوتر يا صاح... ملهى
سقيم وعلتي لقمان... ملها
صرت أشبه سفينة ببحر.. مالها
ملاح وبليه شراع هيه
لا ينكر قطعا ما للعراق من حضارة موغلة في القدم والأصالة، ولا ينكر أيضا أن هناك جملة حقائق فرضت نفسها على واقعه شئنا أم أبينا! من هذه الحقائق تشتت قادته في انتقاء الأشخاص المناسبين لأداء أدوارهم في مفاصل الدولة، ومن هؤلاء القادة من كان متعمدا في نهجه هذا -وهم كثر- وآخرون أساءوا من حيث كانوا يريدون الإحسان، وصنف ثالث كانت لهم غايات في نفوسهم، أبوا إلا أن يطلقوها على أبناء جلدتهم، فسلطوا عليهم جلادين لايرحمونهم، وسخروا لسرقتهم حاذقين بأفانين السحت.
وعلى الرغم من تعدد الحكومات التي تعاقبت على حكم هذا البلد، وتنوع قادته وسياساتهم وأساليب حكمهم، إلا أن سر القيادة الحكيمة بقي لغزا قد يبدو للبعض محيرا، غير أنه في حقيقة الأمر واضح وضوح الشمس في رابعة نهار تموز.
فلو عدنا بالزمن قليلا الى الوراء، وباستقراء سريع على مجريات الأحداث التي مرت على تلك الحكومات، لتبين لنا أن قلة الحنكة السياسية، وانعدام الدافع الوطني، وسرعة سيلان اللعاب أمام مغريات الجاه، وحب الأنا، وغريزة التملك اللامشروع، والاتكاء على القاصي والبعيد والغريب في إدارة شؤون البلد، شكلت جميعها مجتمعة السبب الرئيس في ضياع حقوق، وهدر أموال، وتبديد ثروات، وظهور سراق، وتفشي آفات، الأمر الذي أفضى في نهاية المطاف الى انخفاض كل مقاسات الحد الأدنى المطلوبة في البلدان المتقدمة والنامية بل حتى الفقيرة منها، وخنع المواطن العراقي تحت وطأتها، لاحول له ولاقدرة على تغيير حاله، بعد أن جمحت السفينة بيد القائد، وخرج زمام القيادة عن سيطرته، لسوء صنيعه إداريا وسياسيا، فأضحى حال المركب كمن قال:
وأنا اليوم كالسفينة تجري
لا شراع لها ولا ملاح
ولقد ترقب العراقيون بحذر شديد خطوات تشكيل دولتهم الجديدة بعد سقوط نظام البعث عام 2003، وكان حذرهم مشوبا بالقلق والريبة، إذ كانوا حديثي عهد بآلية تنصيب أقطاب الحكم في البلد، ولم يعهدوا الديمقراطية بلباسها الحديث، فراح السواد الأعظم من الشعب يضربون أخماسا بأسداس، حيث لم يستوعبوا امتلاكهم القرار في اختيار حاكميهم، ولم يدُر في خلدهم أن صناديق الاقتراع ما عادت كتلك التي أفرزت نسبة 99,9% لصالح سجانهم الوحيد الأوحد.
ومن سوء حظهم أن نفرا من المتربصين كانوا خلف الحدود، منهم من أطلق على نفسه المعارض، ومنهم من ادعى أنه مطارد من قبل نظام البعث، ومنهم من اتخذ من خروجه عن قانون دولة الدكتاتور ذريعة، فراح يقولبه على أنه نضال ضد الحاكم الجائر، أو مقاومة شريفة بوجه الاضطهاد، وما الى ذلك من مصطلحات التبرير.
وبتحصيل حاصل، فقد صار كلهم -بعد أن سحقت السرفة الأمريكية رأس النظام- أصحاب حق في قيادة البلد، جزاء لهم بما ضحوه من أجله، وجعلوا التربع على عرش الحكم نصب أعينهم، كإرث مشروع لهم، وشاء القدر أن تم لهم هذا مابين غمضة عين وانتباهتها، فاعتلوا مراكز ماكانوا يطولونها في أحلامهم، وكناتج طبيعي، تلكأ سيرهم واضطربت خطواتهم في قيادة بلد خرج للتو من قمع أربعة عقود عجاف، وأنّى لهم قيادته!
وهم العاجزون عن إدارة زريبة أو حراسة حظيرة، وعصي عليهم أن يسرحوا (بزوج صخول).
ويبقى الحل هو الاختيار والانتقاء السليمين، وهما مهمة المواطن بالدرجة الأساس أمام صناديق الاقتراع، إذ أن انتقاء الرأس وفق معايير صحيحة، يقيه شر انتقاء الأخير مرؤوسيه في مؤسسات الدولة بعد تسنمه الحكم، ويتحتم على المواطن هنا، عدم اعتماد وحدات قياس بالية مجربة أكل الدهر عليها وشرب، بل عليه الاستناد الى وحدات قياس مهنية علمية عملية دقيقة، والابتعاد عن الحزبية والعشائرية والدينية والطائفية، وبغير هذا فسلام على دار السلام، والبقاء في حياة الأحزاب والكتل والقوائم والمرشحين.