أتت وحياض الموت بيني وبينها
وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل
قيل سابقا:
الأفكار الجيدة تأتي دائما متأخرة، ونقول بلهجتنا الدارجة:
(الماحصد بأول صباته، يبس زرعه والوكت فاته)،
كذلك قالوا: خير البر عاجله.
وقالوا وعادوا الكثير والكثير عن تمييع الوقت، وتضييع الساعات والدقائق، فضلا عن الأيام والشهور، في وقت ليس هناك شيء أغلى من عامل الزمن وعنصر الوقت.
أما من تدارك وقته وأسعفته الحكمة والحنكة بعد حين، فإن عليه دفع ثمن التأخير، ومع تحمله الثمن، تطغى سلبيات التأخير على إيجابيات الحل.
فوات الأوان إذن، هو آفة الحلول، إذ ينعدم النفع منها إن جاءت متأخرة، وما يؤسف أن هذا بات دأبنا الذي أدمناه نحن العراقيين، فاعتدنا على التقاعس في استنهاض عقولنا في الوقت المناسب لإيجاد الحلول والمخارج لما نقع فيه من مآزق، وما نجنيه اليوم هو زرعنا فيما مضى، وما دمنا أسأنا في الزرع نحصد سوء فعلنا، وقد قيل؛ من يزرع الريح لا يجني غير العاصفة.
منذ عقود خلت لم تفارق العراقيين دوامة البحث عن حلول لمشاكلهم دون جدوى، حتى باتت حيرتهم وسط هذه الدوامة شغلهم الشاغل، بدل البحث عما يعينهم على مواكبة التطور الذي تعدو فيه بلدان العالم عدوا. والحديث عن مشاكل السنوات الخمسة عشر الماضية بات عقيما، ذاك أن أس المشاكل وأساسها يتجدد ويتحدث كل حين بطريقة الـ (automatic update) وعلى ما يبدو أن هناك متخصصين باستحداثها، والإتيان بالجديد منها بين الفينة والأخرى دون كلل او ملل، إذ مافتئنا نعيش همومنا المتزايدة من يوم إلى يوم، ومن عام الى عام، ومن حكومة الى حكومة، فكأن الحزن مختوم على العراقيين منذ عقود او قد تكون قرونا مضت.
إذ عكس ما يشغل سكان الأمم التي تلت حضارتها حضارة بلاد وادي الرافدين، تشغل بالنا اهتمامات يومية عديدة، لا تتجاوز السؤال عن الكهرباء وزحامات الشوارع والتفجيرات والتموينية، وكذلك التخوف من غيمة تبدو في السماء خوف المطر وغرق منازلنا، فضلا عن هموم القلق المتزايد من الوضع الأمني الخطير.
والخوف هو الآخر لبس لباس التجدد والتحديث، فهو اليوم ينحسر في شكل مجالس البلد الثلاث الجديدة، ومن سيترأسها؟ لاسيما أن الرؤوس التي تعاقبت على رئاستها فيما مضى من السنين، لم تأتِ بالنافع والمفيد للبلد، بل أن الخراب والنكوص كان سمتها البارزة في أداء أعمالها.
فلو استذكرنا يوميات العراقيين في الأعوام السابقة، تبرز صورة التشكي والتذمر والامتعاض فيها، إذ ما اجتمع عراقيان صباحا او مساءً، إلا وذهب بهما الحديث الى الترديات والإخفاقات بمفاصل الحياة في البلد.
وهو الهم الذي باتت علامات الاستفهام والتعجب تتسع فيه، وأمست أصابع الاتهام لا تكفي لعد الأسباب وتعداد المتسببين به، فعشرة أصابع لا تفي بحساب الأعداد الهائلة من الشخصيات التي تقف وراء هذا المصير الذي آل اليه البلد.
فبدءًا.. الهم المتوارث في كل عام والذي يتعلق بالموازنة العامة للبلد، فقد تجاوز سقف الهموم وتناسلت منه هموم أخرى كثيرة..
كما لتفشي الفساد المالي والإداري في مفاصل المؤسسات والجهات المسؤولة عن الخدمات باع طويل وحضور فعلي في جملة الهموم المتراكمة، والذي يحزن المواطن المهموم أنه في واد وساسته ومسؤولوه في واد، وما همومه كلها إلا نتاج صراعات ومناكفات
و(مناكرات) ساسة وكتل وتكتلات وقوائم وأحزاب، كان حريا بهم جميعا ان يوحدوا النية الخالصة والكلمة الصادقة والتصرف السليم، لتلد لهم مجتمعة قرارات صائبة، تسفر عن أداء جيد في الواجبات خالٍ من التقصير، وبالتالي تنجلي هموم رعيتهم بالحلول الناجعة التي تأتي بالتوقيت المناسب، لا بعد فوات الأوان، ولحى الله شاعر الأبوذية الذي حاكى بيت القريض آنف الذكر، حيث قال:
ضلوعي من الحزن مالت وحنت
وكربت ساعة افراكك وحنت
جادت بالوصل هسه وحنت
وبيني وبينها تحوم المنيه