لاشك أن مامر به العراقيون على أيدي الحكومات المتعاقبة على جلدهم، بات معلوما لدى القاصي والداني، والعالم والجاهل، والمستفيد والمتضرر، والفضولي والمحايد.
إذ ماعاد خفيا حجم الضيم، والكمّ الهائل من الظلم الذي تعرض ويتعرض إليه العراقيون، لاسيما المواطن المسالم الذي يرضى بالحد الأدنى من حقوقه، والذي ينطبق عليه المثل المصري:
(يمشي جنب الحيط) وهو لاحول له ولاقوة إلا بالصناديق التي أضحى عن طريقها ينتقي جلاديه وسجانيه وفق مايراه مناسبا، باعتماد معايير ومقاييس ومواصفات، لم تأتِ له إلا بالغث والنطيحة والمتردية في أغلب الأحيان -بل في جميعها-.
ولعل في المقامرة الأخيرة التي كان موعدها 12 أيار الجاري، كان الشك يراود المواطن فيما هو ماضٍ فيه، وهو في طريقه الى المراكز الانتخابية أكثر من المقامرات الثلاثة السابقة، فرغم الإعلانات الباذخة عن شخوص المرشحين، والإفصاح عن ماهيتهم على لوحات (Full size)، لم يكن الناخب متيقنا تماما من صحة التعريفات والماهيات والمعطيات التي حصل عليها، إذ كان أغلبها يتضمن تعريفا بظاهر المرشح ونسبه وشهادته، مع التأكيد على الـ "كارزما" التي أسهمت برامج الـ (Photoshop) وأدواة التقطيع والإضافات الإلكترونية، علاوة على صالونات الحلاقة والتجميل واستوديوهات التصوير، في إبراز المرشح بأبهى حلة وأروع مظهر، وكأنه مقبل على (ليلة العمر).
وبعودة الى الظلم والمظلومية، واللذين على ما يبدو لا مفر للعراقيين بعيدا عنهما، ولا خلاص لهم من الوقوع في شراكهما، ولامناص لهم من تذوق أصناف عديدة منهما، وعملا بمقولة (كن مظلوما ولاتكن ظالما) فقد باتت كفة العراقيين راجحة على كفة المتحكمين بأمر بلدهم، مع أن الأخيرين في مؤسساته ووزاراته وهيئات رئاسات البلد الثلاث، يعيثون فيها بأعداد لها أول ولا يلوح لها في الأفق آخر، وهذا أمر لاينكره عاقل ومنصف لو حكمناه في أمر المواطن العراقي وحكامه، إذ أن الغالبية العظمى من العراقيين يتربعون على عرش المظلومية في بلدهم الغني بالثروات، ولهم على حاكميهم حقوق مسلوبة، وأموال منهوبة، ولهم كذلك (حوبة) لاسيما إذا كان ميزان العدل والحق هو الحكم، ولعله غائب عن ساسة العراق ما ذكره الأولون في الظالم والمظلوم والمظلومية، والتحذير من ممارسة الظلم، حيث قيل:
لا تظلمن إذا ماكنت مقتدرا
فالظلم مرتعه يفضي الى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
ومازال العراقيون المظلومون يتبادلون فيما بينهم الأدوار بين متضرر ومنكوب، وصابر وجزوع، وخاسر ومغبون، وضحية ومغدور، وناخب ومخدوع، رغم عيشهم في بلد جمهوري فدرالي تعددي ديمقراطي... (الله يچرّم).
فيما لايزال ساسته وأرباب الحكم فيه وأولو الأمر وأصحاب القرار، يتبادلون فيما بينهم الأدوار بين سارق ومرتشٍ، وناكث وحانث، وكاذب ومماطل، ومزور وغشاش، ومتواطئ وخائن، وناقض و "ناقص" عن جدارة واقتدار منقطعي النظير.
فلو استعرضنا ماطرح من مشاريع وأعمال، على طاولتي مجلسي الدولة التشريعي والتنفيذي خلال السنوات الماضية، لانرى إلا النزر اليسير منها قد تحقق على أرض الواقع، وكأن الأمر متعمد ومقصود -وهو كذلك فعلا- ففيما يخص التشريع، غالبا ما يتأخر البت في كل ما له صلة بمصلحة المواطن ومعيشته وأمنه واستقرار حياته، إذ مامن أحداث صغيرة او كبيرة تطرأ على البلد، إلا واتخذها المشرعون ذريعة في التأثير المباشر على يوميات المواطن ومفرداته.
كذلك باستعراضنا مايجري على الطاولات في المجلسين ذاتهما، ولاسيما مجلس النواب، وتمحصنا تأريخ المشاريع والأعمال المطروحة التي تنتظر التفعيل والإقرار، لتعود بالنفع والريع للمواطن، لتبين لنا بكل وضوح أسباب هذا الشح والقحط في الإنجازات، إذ يعتمد إقرار المشاريع والقرارات والقوانين على مدى تحقيقها المنافع والمصالح الشخصية والفئوية والحزبية لمقرريها، وهذا الأمر لازم مجلس نوابنا في دورته الأولى، وتوارثه نواب الدورة الثانية، وشملت العدوى نواب الدورة الثالثة. أما الرابعة، فإني أرى فيها ما رأى شاعر حين أنشد:
ليل وزوبعة وبحر هائج
لا أرى إلا السفينة تغرق