سأحسد نفسي ما حييت لأنني عشت من العمق لقاء النجوم الذين درجنا على تسميتهم بالأساطير ، كما أنني عشته مع الآلاف غيري في العلن والظاهر .. ففي قناعتي الشخصية الراسخة التي عبّرت عنها قبل أسابيع أن هذا حدث لن يتكرر في المدى المستقبلي المنظور على الأقل!
وحين سئلت قبل أسبوع من المباراة بين نجوم الامس الكروي العالمي والعراقي ، قلت إن من لديه القدرة على الذهاب والمشاهدة سيتذكر الحدث العمر كله ، ومن سيتخلف عن الحضور سيكون (سي في) متابعاته ومشاهداته الكروية منقوصا ، والبعض عـدَّ كلماتي والأصح دعوتي ترويجا لجهة ما ، ولم يكن يعلم أنني كنت اتحدث من قلبي وضميري وبلسان ينظر إلى المستقبل ، فلا أنسى أبدا أن أحد أعمامي الذي حضر افتتاح ملعب الشعب الدولي قبل اكثر من نصف قرن من الزمان مازال يتحدث عن مواجهة بنفيكا ومجيء الفهد الأسود أوزيبيو ، وترفض ذاكرته الترجل عن صهوة تلك المباراة!
ومن محاسن الحضور في عمق الحدث بأدق التفاصيل وأقربها ، أنني رأيت وجهين ربما متباعدين أو متناقضين لنجوم الكرة العالمية الذين فدموا إلى البصرة الفيحاء ، فحين استقبلنا الضيوف الكبار عند سُـلم الطائرة ، رأيت وجوها قد أخذ منها الخوف (المُبرَّر)والمشروع مأخذا .. كان سهلا عليّ وعلى غيري من المستقبلين أن يقرأ هذا الشعور في عيون بعضهم ، أو على أكفهم حين كان يصافحوننا ويتلقون باقات ورودنا تعبيرا عن الفرحة بقدومهم!
إزاء هذه الصورة التي كانت تتحرك أمامي نبضا وشعورا ، كنت التمس العذر للاعب مثل كلويفرت أو سيلغادو أو ريفالدو أو دافيدز أو يورك أو زانيتي وهو يرتاد أرضا يسمع عنها الكثير صدقا أو مبالغة أو تخويفا .. بعضهم حاول إخفاء القلق عبر ابتسامة من باب اللياقة والأدب .. ولم يكن أحدهم مخطئا في إرسال تلك الابتسامة إلينا كأنها ستارة تخفي ما وراءها من الإحساس بأنه قادم لاكتشاف أرض بكر لا يعرف عنها شيئا ، ولا يريد أن يخوض كثيرا في تفاصيلها بعدما ازدحمت عيونه بكثير من الصور التي تنقلها شاشات التلفاز العالمية ، وهي صور تظهر العراق على أنه مازال كله ساحة الحرب والوغى!
وكنت واثقا من أن هذه الصورة التي تحملها أنفس بشرية تدعو إلى السلام ولا تعرف معنى الحرب في بلدانها ، ستتغير ، لا بل أن الملعب وحده سيتسبب في انقلاب الصورة انقلابا يحقق النصر لنا كعراقيين نريد لبلدنا الاندماج الكامل بهذا العالم الكروي المحيط بنا! وفي الملعب ، وحين جاء الدخول الى الميدان ، رأيت ملامح أخرى مختلفة تماما تتشكل على وجوه النخبة الكروية العالمية .. رأيت الاستبشار والفرح والرغبة في اللعب ، وفي التجلي أمام جمهور ذواقة لا يقل عدده عن أربعين ألف متفرج !
انقلاب الصورة وانعكاسها على وجوه النجوم في الميدان وأمام الجمهور الكبير ، يزيدني ثقة على ثقتي بأن الحظر في طريقه إلى الزوال ، وبأننا كعراقيين قادرون على أن نفعل شيئا لبلدنا ولجمهورنا ولكرتنا من دون مزايدات أو مناكفات أو تضارب في الخفاء!