كنت أقف إلى جوار الراحل عمو بابا حين كان يقود وحدة تدريبية لفريق الزوراء يوم كان مدربا له النصف الثاني من العقد التسعيني ..
كانت هتافات المشجعين تأتي من المدرجات لتداعب سمع شيخ المدربين أو ربما لتخدش أذنه ..
كانت طلبات تتعلق بإشراك النجم أحمد راضي في التشكيلة الأساسية واستبعاد لاعب آخر عنها!
في فترة الخلاف تلك بين بابا وراضي ، كان الجمهور يخطط وينفذ ثم يرسل بإشاراته أو برقياته الصريحة إلى المدرب طوال الوحدة التدريبية ..
وبعد صبر طويل استدار عمو بابا إلى جهة المدرجات وردّ على المطالبات الجماهيرية بجملة واحدة (نحن هنا في فريق محترم له أصوله وأركانه ولسنا في برنامج طلبات المستمعين)!
كان ردا بليغا مُفحـِما، لم يعد بعض المشجعين إثر ذلك إلى اسطوانة طلباتهم حتى لو كانت تتعلق بنجم كبير مثل أحمد راضي ، بل سلـّموا أمرهم إلى المدرب الذي كان أدرى بإمكانيات اللاعبين، وبمتطلباتهم ، وبمشاكلهم ، وبحرص بعضهم على افتعال المشكلات من منطلق توليف مراكز قوى للضغط على المدرب!
هذا التصرف النموذجي من مدربنا الراحل أعود إليه دوما واستذكره في كل مناسبة يهون فيها المدربون ويتضاءلون أمام أشباه النجوم أو رغبات المسؤول أو ضغوط الجمهور أو مغريات أخرى في هذا الزمان!
كان هذا ما يفعله المدربون الكبار المحترمون الذين يقيمون وزنا لكل حركة أو التفاتة أو إشارة في الميدان .. وعكس هذا تماما يفعله بعض مدربينا اليوم ممن (يحرصون) على الاستجابة لرغبات الآخرين تحت حجج وذرائع شتى .. ويتحول الفريق الذي يقودونه الى استوديو مفتوح على كل طلبات اللاعبين ، كأنهم بذلك يقدمون برنامج طلبات المستمعين، ولكن على نحو ممجوج فيه الكثير من الضعف! أخشى أن يكون هذا الانطباع صحيحا حين اتحدث عن منتخبنا الحالي الذي بات نهبا للطلبات والتمنيات وكذلك الضغوط عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي تتركز على فرض أسماء بعينها على المدرب باسم قاسم الذي يحقق صمودا حتى الآن في مواجهة سيل الضغوط!
في نظري أن ما حدث للمنتخب العراقي في تصفيات كأس العالم ، ناجم تماما عن غياب التصور الكامل لدينا عن (وظيفة) مدرب المنتخب، لهذا كانت المشكلة داخل المنتخب العراقي تبدأ بسيطة سهلة محدودة ، لكنها سرعان ما تكبر مثل كرة الثلج، وتأتي النتيجة على رؤوس اللاعبين أنفسهم ومعهم المدرب! فلنترك باسم قاسم لمهمته وتصوراته، قبل بطولة غربي آسيا وما يليها من استحقاقات تنتظرنا في المدى القريب، وهذا حق له وواجب علينا .. وسيكون في وسعنا حسابه حين يأتي التعثر أو الإخفاق لا سمح الله، بدلا من السماح بالتدخلات أو ما سيليها من خراب عميم لابد أن نخشاه ونتفاداه من الآن .. وليس بعد الآن!