اختلط لدينا الصالح بالطالح، لكن للكتابة في الشأن الرياضي بريقا لا تكاد ترقى إليه الكتابة في مناح حياتية أخرى .. أقول (لا تكاد) مع إيماني المطلق بأن الجمهور الذي يطالع ما يُكتب في الرياضة هو البقية المتبقية من قطاع يتلاشى من القراء ولا همّ له إلا الوقوف على أطلال الصحافة الورقية!
ثمة من لا يرى في الصحافة الرياضية غير تلك المباخر التي تحملها (الأقلام) لغاية واحدة هي كيل المديح لهذا الطرف أو ذاك، وكثيرا ما كانت للبعض نظرة قاصرة الى دور القلم الرياضي في إشاعة الممارسة الصحيحة للرياضة، وللكتابة في الرياضة ..
وكم أشعر بالأسف، والأسى كذلك، حين أرى أن هنالك ممن ينتسب الى الوسط الصحفي ويتولى بنفسه تأسيس وترسيخ تلك النظرة القاصرة، لا أن يكون عاملا في تقويمها .. أمامنا تجربة (عالمية) بكل ما للمفردة من معنى .. تجربة تعطي مائة دليل ودليل على أن الكتابة الرياضية تعد بيضة القبان، كما يقولون، في نجاح أي مطبوع سواء كان هذا المطبوع عاما وشاملا، أو كان متخصصا في الحقل الرياضي .. فقد بات الشأن الرياضي قارب الإنقاذ الذي يمكن أن تلجأ إليه صحف عالمية شهيرة من أجل أن تواجه تبعات وذيول الأزمة الراهنة التي تكاد تعصف بالكثير من الاقتصاديات القوية وبموجبها تتعرض الصحف الكبرى لموجة زعزعة عن مواقعها أو حتى عن صفحاتها!
وإلا فما الذي يدفع جريدة لا تهتم إلا بالمال والأعمال كي تخطو نحو التغطية الرياضية في تطور غير متوقع أو مسبوق .. كان ذلك ما اهتدى إليه فكر القائمين على صحيفة (وول ستريت جورنال) التي تأسست عام ألف وثمانمائة وتسعة وثمانين ولديها تسعمائة وثلاثون ألف مشترك عبر النت، لكن صفحاتها لم تعرف من قبل شكل التغطية الرياضية الشاملة إلا في موعد متأخر.. التحول (الدراماتيكي) هذا أملته الظروف، ودفعت إليه الحاجة الى المزيد من التواجد في السوق الإعلامية عبر الرياضة التي أصبحت عنصرا لا غنى عنه في تحريك مفاصل الاقتصاد .. وقد أعلنت إدارة الصحيفة مع هذا التحول الكبير أنها تتطلع الى شمولية أكثر في متابعتها للاهتمامات العامة، كما أعلنت جهارا أنها تتوقع أن يكون القسم الرياضي في وول ستريت جورنال القسم الأكثر تفاعلا في الصحيفة .
في أمريكا، وفي شارع المال والأعمال، تنتهي صحف وتموت، وتضمحل مطبوعات شهيرة تكتب نهايتها بين ليلة وضحاها .. لكن بعضها الآخر وهو يحاول أن يلتمس طريق البقاء والنماء، يتخذ من الرياضة سبيلا للبقاء على قيد الحياة .. وقد صار في وسع قراء (وول ستريت جورنال) أن يطالعوا الملحق الرياضي اليومي وكثير منهم مازال غير مصدق لان يقلب الجريدة ويجد فيها آخر الأخبار وأعمق التحليلات الرياضية، بعد أن كانت الكتابة في الرياضة من (تابوهات) الصحيفة الشهيرة! نموذج واحد يعطينا دلالات ساطعة، على أهمية عملنا تحت أي ظرف من الظروف، وعلى حتمية تعاملنا مع المفردة بأمانة عالية، فالناس ترى في الرياضة مؤشرا على استمرار الخير وسط العاصفة الاقتصادية العالمية .. فهل سنستوعب الدرس هذا كما استوعبه غيرنا؟!