نتغنّى بالقانون، ونطيل امتداحه في كل حين وأوان، لكننا مصرون في كل مرة على أن نتهرّب منه ما أمككنا الهروب! في المواجهة الدائرة بين الطرفين الأولمبي والحكومي، توضع مصالح الناس ومصادر أرزاقهم وقودا للمجهود (الحربي) الذي طائل من ورائه إلا المزيد من الشقاق.. فالطرف الحكومي يريد أن يتضح كل شيء كشرط للبدء في صفحة جديدة، فيما الطرف الأولمبي يتشكّى لأن الخلاف أدّى إلى الإضرار بمصالح موظفيه الذين لا حول لهم ولا قوة.. ومن ينظر إلى هذا المشهد بالعقل والإنصاف يتساءل: لماذا لا نحتكم إلى القانون؟!
فهذه الحرب التي نشهدها اليوم بين الأطراف المُسيّرة للشأن الرياضي لها جذر ثم امتداد واحد : تغييب القانون والعبث بمقدرات الرياضة تحت باب الحرية أو تحت بند التخصّص .. ولهذا نريد عن سابق عمد أن نضيّع ملامح الجاني والمجني عليه وسط تقاطع المصالح والذي ينقلب الآن إلى تكبيل متعمد للغة القانون!
قلتها من قبل إنه حين ينشب شجار الحواري في أزقة دمشق، يردد أهل الشام أحد أبلغ أمثالهم للتعبير عن الشماتة والحقد الدفين على القبضايات وهم ينهشون لحم بعضهم البعض برغم صلة القرابة التي تجسّدها تلك الدماء المتداخلة التي تجري في عروقهم جميعا.. يقول الشاميون الشامتون: (فخـّار يكسّر بعضه)!
هذا اللون من الشماتة يمكن تصوره قابعا في ضمير كل كاره للعراق ولأبناء العراق، وهو يرى هذا التشرذم الرياضي غير المسبوق والذي ضاعت فيه المقاييس، وتبعثرت فيه الثوابت، وتراجعت عنده حسابات الجزء الخاص من الكل العام!
لقد تشرذمنا كل هذه السنوات، وذهبت ريحنا في الرياضة وإلى الحد الذي أصبحنا نتوزع تطوعا أو عمدا على خندقين متقابلين، ولا خيار لأصحاب الطريق الثالث ممن يدعون إلى تغليب لغة القانون وفرض سيادته!
هل نحن إزاء معركة إدارية تتم فيها تصفية الخلافات على نحو صاخب يذكرنا بتلك النار التي تختفي تحت الرماد، أم أن (الإرادة) التي تـُعنى بالعمل الرياضي وتعتني به باتت خارج أطر الوطن ولا صلة لها بالمصلحة العامة، وإلى الحد الذي صار الكل يتساءل عمّا إذا كانت هنالك أكثر من جهة رياضية تتحكم بمفاصل القرار الرياضي ولا يخرج أي قرار استراتيجي أو تكتيكي من يدها؟!
في ظل هذه العبثية ، نخسر كل يوم أرضا في هذه المعركة التي يراد منها فرض الإرادات.. والنتيجة أن الرياضة تتعطل.. لا بل أن البحث عن مصلحة الرياضة ومستقبلها صار أبعد ما يمكن أن يدور بين المتحاربين، فالهمّ في هذه الساعة أن ينكسر طرف وأن يرفع طرف مقابل شارة النصر، فيما الأصل هنا أن نحتكم إلى القانون وأن نسبق ذلك بلغة عادلة لا تمرّد فيها، ولا استئثار بالرأي والقرار!
لقد أصبحنا نتحارب بعيدا عن مقتضيات المصلحة التي يفرضها الوطن الواحد.. أصبحنا ـ كما يقول أهل الشام ـ فخـّارا يكـّسر بعضه .. نضرب بعنف، ونتلاسن باجتراء، ولا نفكر بدلا من ذلك في حلول وطنية شاملة تجتمع عندها إرادة العقلاء الذين تهمهم بالفعل مصلحة الوطن. أصبحنا تجار دكاكين رياضية نبيع ونشتري المواقف ولا سطوة للعراق على سوقنا البغيضة التي سيهون بسببها الوطن، وسنهون نحن بسببها، فلا نجد بعد ذلك من يتأسّى أو يتأسف علينا! هذه واحدة من معارك تنشب بين حين وآخر.. ومن دون (قـونـنة) الرياضة، ستطول المواجهات وستتكرر، وهذا هو عز ما يطلبه دعاة الفوضى غير الخلّاقة!