أفاقت القاهرة على حادث يُندى له الجبين عرّى الضمير الإنساني كله، وأتعب القلة من أصحاب القلوب الرحيمة، التي كان الحرف سيفا في يدها، وخاطب ابنة المحبة، وبحث بين ثنايا قلبها عن الضمير، عن الإنسان، عن الأخلاق، إن بقي بعد هناك أخلاق تردع بعض البلطجية من فعلتهم الشنيعة، وجريمتهم البشعة، وسلوكهم الدنيء، على ما اقترفته أيديهم من جريمة لا تُغتفر بحق الإنسانية جمعاء، حين مارسوا أبشع أنواع التعذيب والإهانة لامرأة مصرية بلغت من العمر عتيا، في قرية الكرم بمركز أبو قرقاص في محافظة المنيا "قرابة 240 كم جنوب القاهرة".
تساءل القلب الإنساني ما الذي اقترفته تلك المرأة المصرية لتنال هذا العقاب من حثالات عفنة تمثلوا بالإسلام دينا لهم، والله ورسوله بريء مما يفعله الظالمون، وكثرت التساؤلات في ذاك القلب الذي ينبض بالمحبة التي علّمنا إياها السيد المسيح عليه السلام حين جاء إلى العالم لكي ينشر المحبة "المحبة الباذلة المعطية، محبة الله للناس، ومحبة الناس لله، ومحبة الناس بعضهم لبعض" وهكذا قال لرسله القديسين: "بهذا يعلم الجميع أنكم تلاميذي، إن كان فيكم حب بعضكم نحو بعض"..
وبهذا علمنا أن نحب الله، ونحب الخير.. ونطيع الله من أجل محبتنا له، ومحبتنا لوصاياه.
وجاء من بعده محمد النبي الأمي صلوات الله عليه والذي أكد على المحبة حين قال الله عز وجل في محكم كتابه "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله".
ولما كانت سنة سبع للهجرة بعد صلح الحديبية بعث محمد بن عبد الله إلى الملوك برسائل وكان حاطب بن أبي بلتعة رسوله إلى المقوقس حاكم مصر، وعندما وصل كتاب محمد إلى المقوقس ضمه إلى صدره وقال: "هذا زمان يخرج فيه النبي الذي نجد نعته في كتاب الله وإنا لنجد من نعمته أنه لا يجمع بين أختين، وأنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، وأن جلساءه المساكين".
ثم دعا رجلا عاقلا فلم يجد بمصر أحسن ولا أجمل من مارية بنت شمعون القبطية، وأختها سرين فبعث بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع حاطب بن أبي بلتعة، ولما وصل المدينة قدم الأختين والهدايا، وأعلمه أن ذلك كله هدية فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدية، وأعجب بالأختين، وكره أن يجمع بينهما، فوهب أختها سيرين للشاعر المخضرم حسان بن ثابت، وقال له: "إن صوتها جميل" فولدت له عبد الرحمن بن حسان.
أما ماريا فقد بنى لها صومعة كي تقيم طقوسها كل يوم أحد ولم يجبرها على الدخول في الإسلام، ولم يهنها قط، ولم يؤذها بل دائما كان يذكر قائلا: " استوصوا بأهل مصر خيرا فإن لنا فيهم نسبا وصهرا".
وكانت مارية بيضاء جميلة فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا كريما، وحملت وولدت ابنه ابراهيم وأصبحت من أمهات المؤمنين.
أين نحن من عيسى عليه السلام؟؟
ومن محمد بن عبد الله صلوات الله عليه؟؟
علمتنا الأديان التسامح والمحبة والألفة وأنتم بشائعاتٍ، عرّيتم شرفكم وعرضكم، ولم تسألوا عن تبعات ما اقترفته أيديكم القذرة النجسة والله بريء من أفعالكم السوداء.
علاقة حب بين ابن المرأة المصرية القبطية، والفتاة المسلمة أثارت نقمتكم وغضبكم يا أبناء القذارة، ألم يتحرك ضميركم وشرفكم ولو لثواني وهي تستجير استجارة الرمضاء بالنار، خسئتم وخسئ من علّمكم أن الحب حرام، فاقترفتم أبشع جريمة في الكون، وربما شائعة أخذتكم العزة بالإثم، وفعلتم ما فعلتم يا أبناء الأفاعي، فاتقوا الله في أهلكم وعرضكم وبناتكم، تهاجمون بيت الشاب بقوة عضلاتكم، وتعتدون بالضرب المبرح على والدته وتمزقون ملابسها، بل تعرونها أمام الكبير والصغير، كيف استهنتم بأعراضكم، كيف استهنتم بشرفكم، أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78)"سوة هود.
وتساءلت المحبة في قلبي مع كل حرف سطرته أناملي، هل أنتم حقا مسلمون؟؟؟أم أنتم وحوش بربرية تمشي على الأرض، أنتم عرّيتم عهركم، وأخلاقكم، عرّيتم وطنكم مصر "أمّ الدنيا" التي أحبها العالم أجمع، وسعى لرؤيتها، ونجح منها.
لو كان الأمر معكوسا والشاب المسلم أحب فتاة مسيحية قبطية، هل يا ترى سيتهجم الشباب المسيحي، على أم الشاب المسلم ليعرّوها من ملابسها أمام أعين العالم؟
ويضرموا النار في بيوت المسلمين كما فعلتم يا أبناء الأفاعي.
إنها شائعة وبنيتم عليها أخلاقكم الدنيئة فما بالكم لو كانت حقيقة تدفنون الحب في مهده لأنكم لن ولم تعرفوا الحب الحقيقي الذي ينقي ويطهر الإنسانية، لم تعرفوا أخلاق الأنبياء ولا طهارة المرسلين بئسا منكم ومن أفعالكم.
أنتم تمزقون الوطن، وتسعون للفتنة في الأرض، وتقتلون وتسرقون وتستبيحون الدم والعرض والمال.
كيف تجرأتم على من وصى بأهل مصر خيرا حين قال رسول الله صلوات الله عليه: "استوصوا بأهل مصر خيرا فإن لنا فيهم نسبًا وصهرًا".
ولو كنت مسؤولا لأصدرت حكما بالإعدام شنقا، وصلبكم لتأكل الطيور من رؤوسكم وتعليقكم حتى تكونوا عبرة لمن اعتبر.
ثلاثمائة مجرم خرج حاملا أسلحة متنوعة للاعتداء على سبعة منازل للأقباط سلبتم ونهبتم وأضرمتم نيران الحقد، أي بيت ضمكم؟ وأي أم ربتكم؟ وأي مدرسة علمتكم؟ ومن أي جامعة تخرجتم منها يا أبناء الأفاعي؟
تعلموا من جبران خليل جبران المحبة "إذا المحبة أومأت إليكم، فاتبعوها... وإذا ضمّتكم بجناحيها، فأطيعوها... إذا المحبة خاطبتكم، فصدّقوها.... المحبة... تضمكم الى قلبها كأغمار حِنطة... المحبة... على بيادرها تدرسكم لتُظهر عُريكم... المحبة ... تطحنكم فتجعلكم كالثلج أنقياء... المحبة... لا تُعطي إلا ذاتها... المحبة... لا تأخذُ إلا من ذاتها... لا تملكُ المحبةُ شيئاً، ولا تريد أحدٌ أن يملكها لأن المحبة مكتفية بالمحبة، بالمحبة...".