بين همس الليل، وسكينته نسترق خطوات المحبة، فيطالعنا الجمال الساكن بين شفاه الليل ليرسم في حياتنا حلم الدهشة، الذي ننتظره طالما القلب ينبض، فهو يحلم بصبح جديد وشمسٍ مشرقة تمد أشعتها على مفارق الدروب، وتقبل شفاه الياسمين فيزداد بياضا ويملأ الجو عطرا لا مثيل له.
حين وصلت مساء إلى البيت طالعني العدد الجديد من مجلة فيغارو بحلته البهية يقطر الجمال من غلافه الذي يعزف سمفونية عشق كاملة بلونه الياقوتي الأحمر، حملته وبدأت أقلب صفحاته المشرقة فوجدت الحياة تدب بين أضلاعه، لأن الفن كان متشردا هامسا يبعث على الأمل والتفاؤل، ويعزف موسيقاه الخالدة من حوار الفنان المبدع وصديق الدراسة وليد الآغا الذي أجريته في شهر كانون ثاني من العام الجاري بعاصمة الياسمين دمشق حين كان الصقيع يلامس روحي، لكن دفء الحوار مع صديقي الفنان منع عني البرد بروحه الدمثة الخلاقة المبدعة، وحواره الصوفي كان له طعم المواويل الشامية، وبيته العامر بالحب مع حبيبته جيان وابنته شام أعطى للحوار حميمية مطلقة وشعور إنساني، وكأن الحياة هبت من مراقدها، لتشتعل بالحديث الجميل بعد سنين من التخرج.
أخذنا الحديث طويلا بحضرة جيان الزوجة الجميلة الذي يقطر الحنان من عينيها، والكرم من روحها، وتداخل الحديث بين العشق الشامي وأيام الدارسة الجامعية، وصولا إلى الفنون البصرية التي تعني بمفهوم وليد كل ما يخص الترويج من خلال البصر لأي منتج ثقافي ومعرفي وحياتي، ليصل للآخرين بالمخزون الجميل ضمن آلية مدروسة للفكر والمجتمع.
متمنيا الفنان وليد أن يضع لَبِنة من لَبِنات الحياة التشكيلية والإنسانية لهذا الوطن، بعد إنشاء المركز الوطني للفنون البصرية، كون الحالة الإنسانية، للهم الإنساني وللوجود الإنساني، يحتاج للغوص في مجاهله لمطالعة الجمال من خلال الحرف الذي تشكله أنامل وليد الآغا.
فإن تكلم من منطلق الزمان والمكان حين يأخذ الحرف مكانا باللوحة في البعد الفلسفي والجمالي، وأشياء أخرى تتجاوز الحرف والكلمة، كنتيجة حتمية للتراكمات الثقافية والبناء الإبداعي، بعيدا عن القراءة الأدبية.
لأن علاقة وليد بالحرف منذ نعومة أحلامه علاقة عشق بالتاريخ السوري، وبالأرض السورية، فضرب فرشاته بعمق الجغرافيا الزمانية والمكانية، متشبعا من تراث لا ينضب، وأختامٌ سورية تعجُّ بالحضارة الإنسانية، وهذا يشعُّ من تقنياته الذي اعتمدها بعد أن استخدمها أجداده الفنانين وليست وليدة الصدفة، التي تترك الفنان بحالة من التخبط، فهو يعيش الحالة الوجدانية بصدق ولم يتخلى عنها كون اللون ينشأ من لحظة وجد، وحالة ارتقاء بمعايشته في العمل، وخبرته الطويلة تستدعي اللون للوحة، فيمر عليها بحنان لتصدر سمفونية تعزف أجمل الألحان لها عبق الوطن الذي اشتمَّ ترابه، وكان صوته من بردى حين غسل وجهه بمائه النقي الشفاف، ليكون وليد الإنسان الشامخ كما قاسيون.
ومن صدر المعاناة يخلق الفنان وليد إبداعه الجميل حين ارتضى لإنسانيته أن تعيش بازدواجية مطلقة، وبوجع لا حدود له، فارتدى أثوابا عديدة في فترة زمنية ليست قصيرة بسطها على لوحاته، وفرد طياتها، بهموم ثقيلة دون استئذان، لكنه أنتج أعمالا تغلي بالبرودة وتشتعل بالصقيع، فجالت أعماله أكثر دول العالم، حين دُعي لورشة عمل فنية في ألمانيا افتتح الوزير الألماني المعرض قائلا: "نحن مددنا جسرا بيننا وبين سورية بالطب، واليوم نمده بالفن التشكيلي" مما حمله مسؤولية كبيرة أمام وطنه الذي لا يرضى عنه بديلا.
وكلما أقفلنا باب الحديث، انفتح فصل آخر من فصول الرواية بالعقل الباطن، لأن سعيه الحثيث بين الماضي والحاضر يظل جزء منه، يخضع لمفاهيمه الروحية وشعوره الوطني المميز الذي لا يفارق أعماله، وأصبح هاجسه المطلق حين خلق حوارا بينه وبين المتلقي وعمل شيئا يعيد وهجا لتاريخ سورية العظيم، ليرد قطرة عطاء في مساحة الوطن، وبمفهومه ما هو إلا ذرة تراب يتدحرج على شواطئه الحنونة يتمتع بكثبانه الذهبية الجميلة، مع من يحب ويعشق تلك المرأة التي ألهمته فنا مبدعا وجعلته أكثر عطاء، عندما احترمت إنسانيته وقرأت روحه جعلته يتوضأ بماء عينيها.
جيان المرأة الملهمة الذي استطاع أن يفك مفتاح الشيفرة لقلبها بمخزونه الثقافي والمعرفي والفني فاستفتى قلبه ليولد العشق الجميل لامرأة تسكن في روحه وتسري مجرى الدم في عروقه.
هو وليد الفنان الساكن حرفا.. الطل همسا.. الوابل ودقا.
رحلته مع الحرف بدأت وستنتهي بالحب ودقا، وحياته الفنية تتراوح بين الطل همسا والساكن حرفا مشتعلا بالعطاء يسقيها حبا ويرويها عشقا، حالة يعيشها مع الفن بحميمية لتاريخه وهويته، مكونة وليد الآغا الوابل ودقا فنيا بلوحة عشق جميلة مصكوك عليها أختامٌ سورية تعجُّ بالحضارة الإنسانية، كونه مسكون بهاجس جمالي وببعد إنساني متفرد، وبعشق لمكونات الوطن الفسيفسائية، ولتاريخ مليء بالثقافات القديمة، وتلوح الأبجدية الأولى من ترابها كالآرامية والسريانية التي ولدت منها العربية، فاخترق هذا العالم واستمع للموسيقى السريانية بعزف لاهوتي جميل سكنت في روحه فاستنطقت فرشاته لونها بعثرها على أعماله وعزف لحن الجمال الفني ببعد حضاري وفكري وإنساني متنقلا ما بين الأحمر الثائر على كل ما هو مألوف، وما بين الأزرق السابح ملئ السموات والأرض فيخطفه البحر ليحاكي شفاه الموج كي تقبّل خدود الشطآن.
المتواجدون الآن
532 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع
أختامُ سورية.. تعجُّ بالحضارةِ الإنسانية
- التفاصيل
- المجموعة: الكاتبة آمنة الحلبي
- الزيارات: 1305
آخر ما نشره كتابنا
- 22تشرين2 فوزيـة حسـن - فنانـة مبدعة في مسيرتها الفنيـة ومتألقـة في جميع ادوارهـا 2019-11-22
- 22تشرين2 جيمس بوند في التركي 2019-11-22
- 22تشرين2 رسالة الى زملائي وأخوتي قضاة العراق البواسل 2019-11-22
- 22تشرين2 متى طفرت الدموع من عيني.. وبكى الكثيرون؟ 2019-11-22
- Home /
- نخبة كتاب بانوراما /
- الكاتبة آمنة الحلبي /
- أختامُ سورية.. تعجُّ بالحضارةِ الإنسانية