بلغ القتل مداه، على امتداد مساحة العالم العربي، تحت مظلة سوداء، متسترة بظلال الإسلام، والإسلام براء من دماء الأبرياء، سالت كشلالات متدفقة روت كل ذرة من ذرات الأرض المقدسة التي استيقظت ذاكرتها وشعرت أن ما يحدث على أرض الشام ما هو إلا من تدبير حكام بني صهيون لامتداد أوسع من الفرات إلى النيل، بقتل وذبح العباد، والاستيلاء على ثروات البلاد، وسبي النساء، واستعباد الأطفال، لأن العنصرية لدى بني صهيون جزء لا يتجزأ من كيانهم النفسي، وأن العالم بنظرهم مقسَّم إلى "يهود وأغيار". اليهود هم الأخيار، والأغيار هم الأشرار، واستباحة حرمات الآخرين أو "الأغيار" جزء لا يتجزأ من تراثهم الديني كما سجل عليهم القرآن:
"ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل" آل عمران" 75.
العنصرية تجري في أجسادهم مجرى الدم حين جعلوا الله ذاته ـ تعالى شأنه ـ عنصريا فوضَّح الأب بولس حنا "5":
إن النصارى يؤمنون بأن الله هو أبو الجميع، والمسلمون يؤمنون بأن الله رب العالمين، إلاّ اليهود فلا يريدون أن يكون الإله إلا لهم وحدهم، ولهذا عُرف عندهم أنه "إله اسرائيل".
عنصرية لا مثيل لها بالعنف والقسوة والذبح والتنكيل التي وصفهم بها القرآن الكريم: "وجعل قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة" تلك القسوة في معاملة "الأغيار" لأنها قاعدة مسّلمة عندهم، والأقذر من ذلك، هي عبادة يتقربون بها إلى معبودهم، وعبّر عن ذلك "مناحيم بيجن" في كتاب "التمرد" حين قال مجسدا فلسفة العنف "أنا أحارب، إذن أنا موجود".
فجاءت مذبحة "دير ياسين" في فلسطين في 9.4.1948م أُبيد معظم السكان بوحشية على يد قوات "الأرغون" التي قادها "مناحيم بيجن" وكتب مزهوا بانتصاره الدموي "إن دولة اسرائيل ما كانت لتقوم لولا انتصار "دير ياسين" مذبحة للعُزَّل سُميت بلغة الكيان الصهيوني انتصارًا.
وتتالت المذابح، مذبحة تلو الأخرى، بقتل الأطفال والنساء واعتقال الشباب وتعذيبهم حتى الموت بعنجهية لا مثيل لها كما فعلوا بمذبحة "صبرا وشاتيلا" بمخيمات الفلسطينيين في لبنان والتي مازال آثارها شاهدا على إجرامهم، وبعدها "مجزرة قانا" لأنهم لم يشبعوا من إراقة الدماء زعما منهم أنهم شعب الله المختار.
لأن اسرائيل لن تكف عن أحلامها التوسعية طالما لديها من يضع نصب عينيه القتل أمثال ابن جوريون الذي أكد على العنصرية بشكل أعنف حين قال: إن خيرمفسِّر ومعلِّق على التوراة هو الجيش" فكيف يصدقها العالم أنها تسعى للسلام؟؟؟؟
بل كيف يصدقها العرب الذين يرونها بأم العين كيف تقلدت السواد، وتلثمت به، وجعلته شعارا لها، وحملت السيف لقطع الرؤوس باسم الاسلام، في وطن الياسمين في شام الحب، وجعلت من النساء سبايا، ومن استطاع الفرار ترك وراءه إرثه وحضارته وبيوته، لتحل هي محله بتغيير ديموغرافي بشع من الشام لبغداد، ومنهم من قال لها "شكرا اسرائيل"؟؟؟؟
أمام العالم الغربي تسعى اسرائيل للسلام الهزيل، لذرِّ الرماد في العيون، والذي يعطيها أكثر مما يأخذ منها، وتنحني للعاصفة حتى تمر، ثم تحارب من جديد لإقامة "اسرائيل الكبرى" لأن اسرائيل "لا تذعن لقوة المنطق، بل لمنطق القوة" هكذا كان تعاملها حتى مع الله عز وجل! فقد تمرد بني صهيون على تعاليمه حتى شردهم في التيه أربعين عاما.
ولم يكن "ابن جوريون" وزملاؤه يتحدثون وفق أمزجتهم واقتناعهم الخاص ولكن "كانوا تلاميذ أوفياء للفكر الصهيوني القديم الذي بعثه مؤسس الصهيونية السياسية ثيودور هرتزل" في كتابه "الدولة اليهودية" إنهم أولاد الأفاعي سخط الله عليهم حين عاثوا في الأرض فسادا فقتلوا أنبياء الله، ونقضوا الميثاق الذي أخذ الله عليهم، وآذوا موسى وعيسى عليهما السلام كثيرا، على أنهم الشعب المختار وأمة "الكتاب المقدس" معتبرين أنفسهم أولاد سيدنا ابراهيم عليه السلام، وسيدنا ابراهيم براء منهم، ومما يفعلون، وهذا ماقاله السيد المسيح عليها لسلام لليهود الذين قالوا:
"أبونا ابراهيم" قال:"لوكنتم أولادابراهيم لكنتم تعملون أعمال ابراهيم" "انجيل يوحنا 8/39".
إنهم مجرمون قتلة يقومون بأعمال الشياطين حين يهدمون بيوت الفلسطينيين ويحرقون أراضيهم لتهجيرهم، وقتلهم وسجنهم، لكن مهما تقدموا بحقدهم ودباباتهم وعربدتهم لن يهنؤوا لأن الأرض ليس لهم، والبحر ليس لهم، وشجر الزيتون ليس لهم، والزيت المقدس ليس لهم، والهواء ليس لهم، ها هو العملاق الفلسطيني ينتفض للمرة الثالثة، فالهامد تحرك، والمارد استيقظ، والريح غيرت اتجاهها بعدما بلغ السيل الزبى، غسل الصدأ عن العقول، وأزال الغشاوة عن العيون ليسجل انتصاره، فاشتعل الرماد الكامن، وامتشقت نساء فلسطين المقاومات سلاح العزة والكرامة لتصرخ بوجه العدو الاسرائيلي ارحل، ذاكرة الأرض استيقظت لانتفاضة الانتصار، بعدما رأت بأم العين كيف عاث عملاؤها فسادا بأرض الشام، وإجرامها شق عنان السماء، ارحل أيها الصهيوني الغادر من كل ركن من أركان أوطاننا، هكذا عبّرت حرائر فلسطين اللواتي ارتدين أغصان الزيتون قداسة، وتزيّنَ بكوفيات مزركشات بعبارة لا يمحوها الزمان ولا المكان ـ فلسطين ـ ذاكرة الأرض استيقظت لانتفاضة الانتصار، خرجن بصوت واحد وحس واحد وكلمة واحدة خرجن لإعلان الانتفاضة الثالثة على كل من بغى وتجبر من بين صهيون.
من فلسطين من الأقصى خرجن الحرائر...
صرخنّ بوجه الاحتلالِ صرخةَ ثائر..
اخرجْ من أرضنا أيها الجائر...
كفانا صمتٌ عربيٌ فاجر ...
كفانا عهرٌ سياسيٌّ ...
من الشام لبغداد ...
لن يكون فينا،
بعد اليوم حائر...
القدسُ لنا،
وفي كل صرخة شهيد قادر ...
بيتُ لحم لنا،
وكنيسة المهد للحرائر....
لهيبُ الأرضِ اشتعلَ رمادُها...
كلّنا صلاح الدين الناصر ....
وعلى الباغي تدور الدوائر...