على مرأى العالم أجمع يتجلى القتلُ بدمٍ باردٍ من آلةِ القمعِ الاسرائيلية، والإعداماتِ الميدانية دون وجه حقٍ، لكن الحقد متأصلٌ بهم وبشعبهم الصهيوني الذي اغتصبَ الأرضَ، وانتهكَ المقدساتِ، أتى من كل أصقاعِ العالم، حاملاً معه عنصرية صهيونية، وثقافة الموت وصناعته، وعاث فسادًا بكل ذرة من تراب فلسطين المقدسة، ولم يكتف بل صبَّ جام حقده وغضبهِ على أطفالٍ لم يبلغوا الحُلَمَ بعد، فأرداهم شهداءَ ارتقتْ روحهم لله عز وجل بصمتٍ رهيبٍ، أمام عالمٍ سافل، ينددُ تارة من كواليس الأممِ المتحدة، ويدعو للتهدئةِ تارة أخرى، دون حساب لأطفالٍ تُداس بالأقدام، وتُركلُ بالأرجل، وهي تنزفُ من رصاصِ حقدهم المسموم، مع الكيل بكل الألفاظ النابية، والشتائم البذيئة والتي تعبر عن ثقافة مجتمع صهيوني قذر، لا يعرف للأخلاق مسار، ولا للمبادئِ طريق، بعد حصارٍ وتهويدٍ، وهدمٍ للمنازل الفلسطينية، وتشريد أهلها. لكن الشباب الفلسطيني ما بعد أوسلو ضاقَ ذرعًا بتلك الهمجيةِ الإسرائيلية، وانتفضَ بحدِّ السكين، فقد بلغَ السيلُ الزبى، وكانت الحجارة رفيقةُ دربه، حاملاً روحه على راحته، مدركًا تماما أنه في الطريق الصحيح، دفاعًا عن الأرضِ المقدسة التي طالما حَلِمَ بحريتها والخلاص من الاحتلال الاسرائيلي إلى الأبد.
أحلامٌ ردَّدَهَا الشبابُ الفلسطيني حين استيقظ على احتلالٍ مجرمٍ، وغفا على أطياف العذاب.
غدًا ستشرقُ شمسُ الحرية وتنثرُ أشعتها الذهبية على أشجار الزيتون التي تمتد على كافة الأراضي الفلسطينية، يكادُ زيتُها يضيء ولو لَمْ تَمْسَسْه نار، ولَوْ لَمْ تَمْسَسْه يد الغدر الاسرائيلية في القطعِ والسَّحَلِ والاغتصاب، لأن تلك اليد المجرمة طالتِ الشجر والحجر والبشر فشهدتُ القتلَ عمداً،
لأفواه الجياع والمحرومين،
لعيون الفقراء والمشردين..
لأطفال الحب...
لشقشقة العصافير...
لصوت البلابل...
لعيون الأرصفة...
وجسد الأزمنة المغتصبة...
كيف تُهدمُ؟؟؟
شهدتُ الصمتَ فُجراً...
ورنينُ الساعةِ عُهراً...
شهقةُ احتضارٍ...
لزمنٍ يموت...
وموقفٍ يُحسمُ...
أجل أطفالُ فلسطين وشبابها حسموا الموقف بعيدا عن مجالسِ أمنهم، وكواليس اجتماعاتهم، بعيدا عن قممهم العفنة، حسموا الموقف بصدورهم العارية، وبحجارتهم المقدسة التي طالما حملوها دفاعا عن حقوقهم، انتفضَ المارد فيهم، دون انتمائهم لحزب أو نظام سياسي، خرجَ للعلن ليقولَ لا لاستعمارٍ همجي قاتل، انتفضَ بكل ما يملك من قوة على المواجهة ليعلنَ كلمةَ الحق، لا تمتْ بصلةٍ إلى فصيل سياسي، ولا يحركها عربدة حزبي، وليست محسوبة على أحد، إنها الكرامة التي زرعتها الأم الفلسطينية المقاومة، وروتها عزة وشرفا لأرض كانت ومازالت عربية، وُلِدَ على أرضِها أبناءُ فلسطين، وترعرعَ تحت شجرها المقدس، وضمَّ في ثراها ألفُ شهيدٍ وشهيد.
إنه العنفوان الفلسطيني الذي سَئِمَ كل أشكال الاحتلال، وتقززَ من كل ألوانِ الشفقة المرسومة في عيون المساومين تحت عنوان السلام الكاذب والهزيل، وكرهَ لغةَ الأمر الواقع المفروضة من السياسة الصهيوأمريكية، وطلبَ التهدئة عندما يشعرونَ بالخطر المحدق بالشعب الاسرائيلي الذي جاء من كل حدبٍ وصوب، مثلَ وحشٍ كاسرٍ رموه في قلب عالمنا العربي للقهر والقتل والإجرام، له رائحةٌ نتنة، ورؤوسٌ مدببة، وأشواكٌ مسمومة.
ليرحلَ هذا المجرم من قدسنا العربية، ليرحل من أرضنا من سمائنا، ليرحل ويعود للتيه كما كان ضائعًا بسبب عنجهيته وتكبره على الله عز وجل، أما يكفيه قتلاً وتدميرًا وحرقًا للبشرِ، أما يكفيه إجراما، واقتلاعًا لشجرِ الزيتون، ليرحلَ حتى يعودَ الحب يرفلُ في ساحاتِ فلسطين، ليرحلَ حتى نسطرَ أجملَ رسائلَ الحبِّ ونزرعها عربون وفاء في ساحاتِ الحرب، ليرحلَ حتى تنقشعَ الظلمة التي أرختْ سوادها على أرجاءِ الحياة، وامتد سوادُها إلى كل العواصم العربية، والتي لم تعدْ صالحة للعيشِ الكريم، بعدما استوطنَ فيها القتل والإجرام والتشرد والتهجير، وسالتْ الدماء شلالاتٍ وأنهار تحت مسمياتٍ عدة، ورائحةُ الموتِ المنبعثة من كل حدبٍ وصوب، والمنازل تحكي ذكرياتٍ بين زمن كان الحب متمددٍ بين أركانه، وبين زمنٍ مرٍ، حملَ وجعًا لا يمكن وصفه، وألمًا يصعب شفاؤه، ونفوسٌ أكلها الدمار، وقلوبٌ عضَّها الحزن، وعيونٌ حرقتها الدموع المكلومة، على فقدان ابن أو حبيب أو زوج أو قريب متشرد في مدن العالم، بعد أن اصطفاه البحر كانت نجاته، ومن عشقه غاص في عبابه بلا حسيبٍ ولا رقيب ليكون طعاما لسمكِ القرشِ في أعماق المحيطاتِ والبحار.
لِمن أغني يلا تنام يلا تنام لأذبحَ لك زوج الحمام؟
لمن أعزف سمفونية العشق؟ ومن يقاسمني قهوةَ الصباح لأرسمَ وجهه على لوحاتي؟ من يغزلْ لي من أغصان الزيتون باقة سلام، كي أرفعها في كل عواصم العالم؟ ومن يحيكْ لي تاجًا من ورقِ الغارِ كي أزيِّن به شعري يومَ الفرح، ومن يقطفْ لي الياسمين لأعلِّقه طوقًا على جيدي؟ ومن يصيغ لي سوارا من زهر الدحنون؟ ومن يسطرْ لي رسائل الحبِّ من ساحات الحرب؟
لا صدى صوت، غير الاحتضار يمرُّ على ساحاتِ العواصم التي عجّتْ بالدماء والجثث التي نامت تحت عيون الأشجار.