في بيتي الحكومي الجديد في العاصمة كانبيرا وجدت نفسي والبيت تحيطنا الزهور والأشجار من كل الجهات، فعثرت وأنا أستمتع بالبيت والمحيط على ذلك التناغم الجميل فصرت أستيقظ على أصوات الطيور بدلاً من ذلك الاستيقاظ الفزع حيث يركل مسامعك ضجيج المركبات والبشر، ومن داخل فرحي هذا أنشأت علاقة حميمة مع الحمام الذي يتوافد على أشجار الحديقة الخلفية للبيت وهي حديقة مشتركة مع جارتي الكرواتية الأصول، هذه الجارة الطيبة والتي لم تبخل في مساعدتي في تنظيم بيتي الجديد.
جارتي لديها كما عرفت اهتمامات رائعة منها استماعها إلى موسيقى بلدها الأصيل والتي تنساب إلى مسامعي وأنا أرتشف قهوتي في الحديقة الخلفية المشتركة، واهتمامها الواضح بزراعة الزهور وغيرها من المزروعات التي جعلت الحديقة الخلفية في عرس دائم..
وحيث توطدت علاقتي بالحمام الذي صرت أكرمه بحبوب الرز والبرغل وما يتبقى من الخبز الوفير، صرت أرى في جارتي بعض التراجع في حرارة التحية فوضعت هذا التراجع في خانة المزاج وتجاهلته إلى أن صارحتني بطيبتها التي عهدتها إذ كشفت لي عن اعتراضها غير المشروط على إطعامي للحمام والسبب كما أوضحت يعود لتجربتها مع الحمام حيث يغزو مزروعاتها..
هذا الأمر كان شديد الوطأة علي فما أن استوي في جلوسي على الكرسي في الحديقة تأتي أسراب الحمام تحيطني وتسأل عن رزقها فأنظر إلى شبابيك بيت جارتي فأراها تراقبني من النافذة المطلة على الحديقة، فأنسحب مخذولاً حاملاً قهوتي إلى داخل البيت وسط دهشة الحمام، وتقودني هذه الحال إلى تذكر تلك الحادثة التي وقعت في طفولتي، حيث يفرش والدي بساطه عصراً في باحة الدار ويستقبل ضيوفه وكان ضيف ذلك العصر "كريم أبو العرق" وهو على سكره الشديد يحبه والدي لطيبته وطرافته وقبل أن يهم بالجلوس أطل علينا "جارنا الطيب والكريم والسكير أيضاً حسين" فتحاورا واشتبكا في جدل بيزنطي ووصلت خصومتهما إلى حد أن كلاهما يريد عبور السياج الفاصل بينهما وحين سئم والدي وعجز عن إسكاتهما إستدار وهو يردد" إشلون بعركة الخطار والجار" .
ها هو الصباح جارتي ترقبني من شباكها والحمام يحيطني وأنا أردد إشلون بعركة الخطار والجار.