في ذلك المدى البعيد وجدتُ أصابعي تنبش التراب وتلهث، وكان الطير يحوم في الأعالي، ومن الجهات تناثرت تركات شعب مهزوم، أنا لا أعرف بالضبط كيف انفصلت أصابعي عني، وعن ماذا تبحث في أعماق هذا التراب، ولمن سيئول أمر هذه التركات، أرفع ثوباً من ركام فيعلو جبل من الأغاني الذي سرعان ما تهتز له كل التركات حتى النُصب مقطوعة الرؤوس تبدأ بالنحيب فيزداد حماس أصابعي في النبش، وينخفض الطائر قليلاً.. قليلاً باتجاه أصابعي، انحناء الشمس صار مكلفاً هذه الأيام، الريش إذا تناثر فثمة أمر محزن قد حدث للطيور، وفي هذه الزاوية من العالم من النادر أن ترى طيراً، الريش فقط هو الذي يتوه أمامك.
الشجر هنا يتيم أتخيله مثل بطل سومري يصيح.. أخاف من بدو الصحراء وبدو الجبال..، وحدها السماء تتكفل أمر هذا الجذر الذي يشرب من ذاته ويقاوم المحذور، وحده الوادي يرفع شكوى المناديل، جديرة بالاحتفال هذه المخلوقات الصغيرة الأحجام العالية الدقة في السير رغم أنها من غير إطار ، كم من المجد يُسيج هذه النمل فقد أبطل الوهم وبدد وهن الموجود، ستوزع ُ في الأعالي جباية المستقبل لتدمغ حيواتنا بالمحدود وتشد علينا فنستفيق على نباح الكلاب، نباح يمتد من الصحراء إلى أعماق خباز في مجاعة ..
حروف تغادر المركب
لا حروف على الضفاف، على الضفاف يسكن عشب يتيم وكانت بهجته عظيمة يوم وصلت الحروف، لم يكترث النمل فهيبة الحرف لا تشبه قطعاً هيبة جندي عند سليمان، هيبة الحرف دائمة وهذه تزول والدم ما زال يردد أحلام حامله على العابرين وهم يبعثرون ذاكرة العشب وطمأنينة النمل، وداروين تحيطه خمسة رؤوس يحاورها وفي كل استدارة يهرب ظله عنه فيعود وجهاً لوجه مع الرؤوس وهي تسأل، من أجل من كل هذا يا داروين ؟فيصرخ مثل نبي متهم بالقتل، أبحث في غيابك عني وفي غيابي عنك، في الغيابين تتجزأ هيبة التاريخ فلا ذاك الإله إلهي ولا هؤلاء اخوتي وكان الابتذال ثروة منذ القدم يرمي الأثرياء ما زاد منها إلى الفقراء والكلاب، أليست لي حصة من كل هذا الابتذال، وينام الناس ، يُضففون أجسادهم بقدسية المياه ويلعنون المدينة وهم بُناتها، وحيث يتشابك الغروب مع الخوف يميل الناس إلى النوم المبكر، هكذا كان البيض يصيدون طرائدهم البشرية في الأراضي الجنوبية وقارة القحط الجميل أفريقيا.