قبل سقوط النظام الدكتاتوري نشرت في أذهاننا الدول غربية والشرق أوسطية الوعود الذهبية بمساعدة العراقيين في كنس مخلفات الدكتاتورية وبناء العراق الجديد، وتصدرت الولايات المتحدة الأمريكية قائمة هذه الدول باعتبارها قائدة التحالف الذي أسقط الدكتاتورية، وكانت أولى الدول التي تنصلت عن وعودها، فبدلاً من بناء عراق أو النمر الآسيوي الجديد كما وعدونا، استبدلوا ذلك بعراق طائفي، مذهبي، قومي، اليد النافذة فيه لأمراء الطوائف والمذاهب والقوميات وملحقاتهم من المليشيات واللصوص، أما الدول الاقليمية فسارعت إلى مساعدة أمريكا في توسيع مساحة الخراب والفوضى وما من بريء في هذا المجال حتى سوريا قبل أن يعمها خراب شبيه.
وكي تستمر الولايات المتحدة الأمريكية بوجودها في العراق وحماية مصالحها الحيوية فيه لجأت إلى ابرام "اتفاقية الاطار" وهي اتفاقية شاملة وملزمة للطرفين، لكن الولايات المتحدة لم تلتزم ببنودها فقامت داعش باحتلال ثاني أكبر مدينة عراقية ومدن أخرى، وبدلاً من ذلك استمرت أمريكا بتغذية أمراء الطوائف ومضت إلى الأبعد من ذلك في تعاملها مع مسعود البارزاني الذي ضاعفت أوهامه مفردة السيد الرئيس التي حرص الأمريكيون على مخاطبته فيها فكانت هذه النتيجة التي تُخيف المواطن العراقي في عمق حزنها.
المملكة العربية السعودية لم تبخل بالحطب لنار داعش الموقدة في عمق العراق الذي ما خلا يوم مواطنيه من تفجير هنا ومن كارثة هناك، وفي كل مرة يقول فيها السعوديون بأنهم يرغبون بعلاقات طيبة مع العراق كانوا يترجمون ذلك في دعم طائفة محددة وصولاً إلى جعل داعش رأس حربة لهذه الطائفة بمواجهة تلك الطائفة المسنودة من ايران. الدولة الايرانية وبعلم أمريكا تمددت في العراق واستثمرت أذكى استثمار الفوضى الأمريكية الخلاقة، ولم تكتف بالخصوبة المذهبية التي ساعدتها على الانتشار الأفقي في العراق، بل تمددت في هياكل الدولة ومؤسساتها وألقت بما لا يصلح لنهوضها الواضح في المكب العراقي، فتوسعت قدور الهريسة كي تكفي شيعة العالم، وصار اللطم أبجدية بديلة عن كتب الدرس وصار المال مقصد كل سياسي شيعي رغم أن الأمام علي بن أبي طالب هو القائل: ”لنا علم وللجهال مالُ“..
ليس أمام العراقيين سوى طريق العودة إلى الذات المنهوبة ولملمة أجزاءها التي فرقتها المذاهب والطوائف والقوميات، فلا قيمة لدم وطني يتنفس الوعود ويبكي يومه البائس.