من المُعيب جداً دعوة أهالي كركوك من المكون الكوردي وحثهم على ترك المدينة فهذه "دقة قديمة" كما يقولون ومن فشل في الإصغاء إلى صوت العقل وأقصد بارزاني وعائلته أن يجد حلاً لنفسه بعيداً عن الاستخدام البائس للشعب الكوردي الذي لا يستحق معاناة يقوم مسعود ومن حوله بتصنيعها ومنها دعوة الأهالي إلى ترك المدينة احتجاجاً على دخول القوات الاتحادية.
الكورد يعرفون بحسهم النبيل بأن هذا الجيش ليس القوات الخاصة لصدام حسين والتي كان يتوسلها مسعود لدخول أربيل والتخلص من قوات الاتحاد الوطني التي طردته إلى أطراف أربيل، أنها قوات وطنية غالبية المنتسبين إليها من عوائل عانت مع الكورد هول الدكتاتورية وتمترست مع الكورد في خندق مواجهة الدكتاتورية فلا وجود لأي مبرر للخوف من هذه القوات وجلها من أبناء ضحايا الدكتاتورية.
كركوك لأهلها من آشوريين وكورد، تركمان وعرب وسائر العراقيين الذين اختاروا مدينة التعايش كركوك كي تكون مدينتهم، هذه المدينة التي ليس لها إلا أن تكون العاصمة الثقافية للعراق المتعدد بعيدة عن الفرز السكاني المتخلف، قريبة من التجانس الحيوي، بعيدة عن المصالح القومية الضيقة، قريبة من بهاء التعدد الثقافي، مدينة لا غالب فيها غير جمال التناغم بين أهلها ولا مغلوب فيها غير الطارئين عليها من نفايات التعصب القومي، كركوك لأهلها وموسم الحج إليها هو موسم الحج لكل العراق.
في كركوك يحس العراقي بأنه استعاد آشوريته وهو يتنفس عمق حضارته القديمة، وفي كركوك يصبح المرء كوردياً يقرأ في مرتفعاتها ووديانها قصائد عبدالله كوران ويصغي إلى ذلك الفلكلور الرائع حيث يشدو حسن زيرك بأجمل الأغاني، وما أسهل أن تكون تركمانياً في كركوك فمن يوم وجودهم في المدينة وهم يطرزون مدينتهم بنكهة التقاليد ويشيدون قصور الأخاء لسكان المدينة، وليس صعباً أن تكون عربياً في كركوك فمع الرعاة ينساب صوت جبار عكار، وفي مقاهي العمال والطلبة يسير نهر داخل حسن بحزنه الجنوبي العميق، وإليك هذه الأسماء التي جددت الثقافة العراقية وهي من كركوك الأب يوسف سعيد سركون بولص، جان دمو، فاضل العزاوي، جليل القيسي، صلاح فائق، مؤيد الراوي وغسان الذي نسيت اسمه الكامل وغيرهم، كركوك لأهلها.
غربان الخراب وحدها التي يجب أن تغادر مدينة السلام والحب، كل من جاء إلى المدينة بثوب الحرب عليه أن يغادرها فلا مكان في المدينة لغير السلام والطيور تعود آمنة إلى أعشاشها.. كركوك لأهلها..