أبو حسنة هو صديق المارثون الدائم في عراق كل يوم يزداد ضيقاً، وكون صديقي ليس من المحظوظين قطعاً في بلاد اليانصيب فحتى في عمليات الدمج كانت رتبته هي الأقل مقارنة حتى بالدخلاء على النضال ضد الدكتاتورية وأصبحوا عقداء وعمداء زوراً وبهتاناً.
لم يأبه أبو حسنة لذلك واستمر طريفاً من غير قصد فحكاياته وأخباره تتناقلها الألسن في البارات والمقاهي، وقد ساهم أبو حسنة بالعمل التأسيسي للبيت الثقافي الذي أصبح عاصمة للصداقات ورغم الخدمات التي قدمها أبو حسنة إلا أن انقلاباً حصل فأخرجه من الخدمة في هذا البيت، وكعادته لم يكترث أبو حسنة بالأمر فهو يتنفس في بلد الانقلابات ليس انقلابات الحكم فحسب بل انقلابات الصداقة وصحبة العمل وغيرها.
المهم كانً محلاً فارغاً بجوار البيت الثقافي، وكان الناس يصفون هذا المحل بالمنحوس فلم ينجح به أحد فهجره المستأجرون فصار كبيت الأشباح، أبو حسنة فاجأ الجميع حين فتح بوابة المحل بمساحته الكبيرة وأعلن أنه سيفتتح مطعماً فيه، أرضية المحل عبارة عن مستنقع آسن والجدران متآكلة وليس من ساكن هنا لسنوات غير جرذان بنت جمهوريتها فيه وجاء أبو حسنة المقدوني ليطردها منه. في أول جهد وهو بن الأهوار صنع جزيرة صغيرة في وسط المستنقع ووضع مقتنياته البسيطة عليها بعد أن فرش بطانية ستكون فراشه الوثير فمن أول نعم هذا المكان هو توفير السكن لأبي حسنة وتحريره من الشيشان أو حي التنك، في الليلة الأولى وبعد ان تناول ليتراً من العرق استيقظ فلم يعثر على أسنانه الصناعية فقد لطشها السكان الأصليون.
لم يشتك أبو حسنة وجاء من المحل القريب بليتر عرق جديد وبدأوا شذاذ الآفاق بالتوافد على المكان وأبو حسنة يقص عليهم كيف سيتحول هذا المطعم إلى أول مطعم سومري في التاريخ ويعدد تفاصيل الأكلات أما الرز فسيحرص المطعم على تقديمه بالألوان وسيكون الرز الأسود أبرزها، المشردون وأصحاب العرق المحدود وجدوا في جزيرة "أبو حسنة "ملاذاً يعفيهم من غلاء البارات، وأبو حسنة مضى في حماسته التي تدفعها الخمرة إلى أقصاها فصار يستدين بصفته صاحب مطعم فجلب صناديق من الباقلاء المعلبة واللبلبي وبرميل من الطرشي الفاخر، وحين تسأله لمن كل هذا يا أبا حسنة يقول ليوم الأفتتاح، المشردون هذه المرة لم يكتفوا بالسكر بل صاروا يملأون بطونهم ويأخذون معهم، وينام أبو حسنة ليلة أخرى يحيطه المستنقع ويتربص به السكان الأصليون..
(1) "ومضات من فصل أصدقاء في حوض التيزاب"