هم يريدون حقوقا طالما انتظروها ساكتين، وكان صمتهم يتكلم، تحملوا صنوف الوجع والجوع، ساروا في الطرق الوعرة، أكلوا من الطعام الذي تزهد فيه الحيوانات، وقفوا في الجبهات يواجهون الموت والرصاص، وسقطوا مضرجين بالدماء بعيدا عن حبيباتهم وأمهاتهم وصغارهم حتى صار حلما أن يروا بيوتهم، ومنهم من قتل في الجبهات وتوارت جثثهم في السبخ، جوار بقايا السلاح والقنابر التي لم تنفجر وتركت للصدأ والتراب على مدى عقود.
عراقيون لم ترهبهم الحياة رغم أنها آلمتهم وحفرت في وجوههم ونفوسهم أخاديد من العذابات، موعودون بالتخلص من طاغية ليصطدموا بطاغوت وطواغيت وسراق وقتلة ومتخلفين لكنهم على الدوام يقاومون الوجع والألم، وتمر عليهم أزمنة العذاب، وينظرون الى سراقهم وقتلتهم يعيثون بحاضرهم ومستقبلهم وهم صامتون صابرون، ينتفضون فتنتفض عزائمهم ونفوسهم وتبتهل أرواحهم الى بارئها مضحين منتصرين على ذواتهم، راغبين بالحرية والنصر على الظلم والفساد والجبروت.
فقراء وكرامتهم لم تهتز رغم أنها سحقت ببساطيل الظالمين، فنفضت عن نفسها التراب وقامت لتتحرك من جديد وتعلن النهضة التي تحث الخطى الى المستقبل، ينظرون الى بيوتهم مخربة آيلة الى السقوط، وشوارعهم عارية من الأسفلت، يغطيها التراب، وضواحي مدنهم مكبات نفايات ومزابل تبعث السموم والدخان، يحلمون بشبكات المياه، والصرف الصحي، ويتمنون أن يروا المدن الصناعية والمزارع والجامعات والطرق والإتصالات، لكنهم يصطدمون بمجموعات من السراق والمحتالين الذين يلتقطون الفرصة ويسرقون حقوقهم ويهربون عنهم بالكلمات المعسولة، ولا يقدمون لهم سوى الوعود الفارغة.
يتظاهرون بعد سنوات على التغيير، ويمارسون الضغوط على الحكومة لعلها أن تعيد حساباتها وتمتلك إرادة الإصلاح دون أن تستلم لإرادات الكتل السياسية الفاسدة التي نهبت كل شئ ولم تبق إلا القليل، بينما مظاهر الخراب تبدو ماثلة للعيان ويصعب التخلص منها، فليس من مسؤول لديه الهمة والعزيمة ليتحرك طالما هو منشغل بنفسه ومطامحه الدنيئة التي تلبي نزواته ورغباته.
الشعب في النهاية سيضطر للتحرك، ولن يوقفه شيء.