يأمل النظام الخليجي الرسمي بعودة قوية للأمريكيين في المنطقة لوقف التمدد الإيراني، وتغيير شكل الحكم في العراق بعد سنوات إنتظار طويلة نتيجة سياسات لم يكن للخليجيين فيها سوى أن ينفذوا أجندات واشنطن، ويتبعون خطواتها خطوة بخطوة بغض النظر عن النتائج، فالتدخل الأمريكي في العراق وإسقاط نظام صدام حسين لم يكن برغبة كاملة منهم خاصة وأن نتائجه كانت في غير صالحهم، وهم يعتقدون أن المستفيد من كل تلك الأحداث، ومنذ العام 2003 وحتى اليوم هم الإيرانيون، وبرغم ذلك كان الصوت الخليجي مرتفعا بإعلان التأييد لكل قرارات واشنطن وحلفائها الغربيين، بينما يظل الخليجيون في أمل أن الأمريكيين لن يتخلوا عنهم بإعتبارهم الإبن المدلل، فهم بلاد النفط والنفوذ والأسر التي لاتهتم كثيرا للسياسات والمصالح بقدر ضمان الوجود وإستمراره، وهو شكل المصلحة النهائية المميزة لديهم.
مايساعد الخليجيين في رفع نسبة التفاؤل هو التوجه الأخير الذي فرضه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإعلانه الصريح بتصعيد حدة التوتر مع إيران الدولة التي تمثل هاجسا مقلقا ومستمرا لهم بسياساتها الخاصة والمعقدة والعصية على الفهم، وبرغم كل محاولات وقف ذلك التمدد إلا إنه تصاعد بعد سقوط نظام صدام حسين الذي تكفل خلال الثمانينيات بالحرب الى أن أخل الخليجيون بإلتزاماتهم تجاهه، ولم يمكنوه إقتصاديا، بل طالبوا بديونهم التي كانت تمثل الدعم الأساسي لماكينة الحرب مع إيران طوال ثماني سنين من الإستنزاف، ويبدو أن العامل الطائفي هو الآخر سيأخذ مداه بل إن مراقبين يرون أن أمريكا ستعود لإستخدام الهاجس الطائفي لتحشيد الحكومات العربية السنية ضد إيران، فالطائفية سلاح فتاك يجر السنة الى ساحة حرب مفتوحة مع الشيعة الذين سيكون عليهم الوقوف مع إيران، بينما المرجح أن ساحة الحرب بحسب الخبراء هي ليست إيران، بل ربما تكون دول الخليج ذاتها والعراق معها.
مايريده الأمريكيون والإسرائيليون ودول الخليج هو أن تضعف إيران وتتراجع عن مشروعها المقلق، فهناك صراع من أجل النفوذ والمصالح، ومنه مايشكل تهديدا لإسرائيل حيث تجاهر إيران بدعم الفلسطينيين والحركات الدينية كحماس والجهاد الإسلامي، بينما تحاول الدول العربية المضي قدما في مشروع مفاوضات وتخلي عن تلك القضية بفرض حل ما، ثم إن العرب لم يعد لديهم مايكفي من إستعداد لمواجهة إسرائيل التي تحكم العالم وتوجه الإقتصاد والسياسة والإعلام، وهم يخافون في حال إنفردوا عن أمريكا أن تتكفل إيران بالسيطرة الكاملة، وهذا مايوفر فرصة للإسرائيليين للإستفادة من الهواجس الخليجية ودفع واشنطن لإتخاذ مواقف ممالية للخليجيين، ومن بينها الضغط على إيران وتهديدها ومحاولة نزع أنيابها خاصة وإنها تمكنت من تطوير قدرات عسكرية كبيرة لم يتردد بعض المسؤولين الإيرانيين في القول، أنها ستصيب دول الخليج والأسطول الأمريكي في البحرين، وهناك إشارات وصلت من اليمن من خلال الحوثيين الذين يعملون بقوة على تقويض جهود السعودية لإعادة نظام الرئيس هادي الى صنعاء.
الأمريكيون سيشنون حروبا مختلفة على الشيعة في العراق بعد الإنتهاء من تحرير الموصل، وهناك نية أمريكية وخليجية للقضاء السريع على داعش في سوريا والعراق وخاصة في الموصل والرقة ليتسنى لهم التفرغ الكامل لمعركة صعبة ومعقدة مع إيران والشيعة في العراق، وكذلك الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، عدا عن ترتيبات ما في سوريا، وتسارع الأحداث يشي أن مصلحة الشيعة وإيران لم تعد ترتكز على نهاية قريبة لداعش وهذا هو الأمر الأكثر تعقيدا في الأيام القادمة.