يغادر عراقيون كثر الى أوربا وبلدان مهجر حول العالم، وبينما يزداد عدد السكان بشكل مخيف في البلاد، وترتفع مؤشرات التحذير من إنفجار سكاني مع ضعف الموارد، والإعتماد الكامل على النفط للحصول على الأموال، فإن التضارب بين التحذير والتقدير، وبين زيادة السكان وكثافة الهجرة جعل العراق يعيش قلقا متزايدا، لكنه غير موجه بسبب غياب التخطيط، وإنعدام الإستراتيجيات الواضحة التي يمكن أن تعتمد في بناء الإقتصاد الوطني وتوفير فرص حياة أفضل للسكان.
فضل عراقيون العودة الى بلادهم التي غادروها في أثناء الحكم السابق وبرغم إنهم كانوا يأملون تغييرا كبيرا في أنماط السلوك، ونهوضا في الإقتصاد، وخروجا من دائرة التخلف والفشل الذي طبع الحياة العراقية، وصدمتهم بسبب تحول الأوضاع الى ماهو أسوأ إلا إنهم إستمروا في الحياة هنا، وفي الوقت الذي يهاجر بعض الشبان الى الغرب فإن هولاء صمدوا وصاروا يخرجون للمطالبة بحقوق، ويقومون بعمل كبير لنشر ثقافة التنوير ومنهم الحقوقي والمدون حيدر الربيعي الذي شارك لمرات في تظاهرات الناصرية وساحة الحبوبي مطالبا بالإصلاح وداعيا الى التظاهر وهو ماسبب له المزيد من المتاعب حتى يوم مقتله 9 سبتمبر المنصرم على يد مجهولين في الناصرية جنوب العراق.
عثرت الشرطة العراقية على جثة حيدر الربيعي بعد ساعات من إختطافه موضوعة في بطانية وآثار الضرب بآلات حادة على مواضع في جسده تشبه حال التقطيع، عدا عن إطلاق نار في منطقة الرأس، وقد أحكمت البطانية بحبل حولها متين، وكان مكان وجود الجثة الحي الصناعي جنوب مركز المحافظة، ورغم قيام الشرطة بتحقيقات في الحادث، فليس محتملا توجيه التهمة لأحد لأعتبارات مرتبطة بنوع الحادث ومجهولية من قام به ولإرتباط الأمر بنشاط سياسي خاصة وإن الضحية معروف بمناكفاته ومشاكساته ومطالباته بالتظاهر والدعوة الى التغيير السياسي ومهاجمته العنيفة للقوى السياسية الفاعلة.
جربت حكومات عديدة وقوى سياسية عبر التاريخ قمع المطالبين بالإصلاح والمعارضين السياسيين بالقتل، أو السجن والتعذيب والتهديد، لكنها كانت تفشل في النهاية طالما إن أسباب الرفض حاضرة على الدوام، ولم تتغير، ولم يسارع أحد ما الى الإصلاح، بل ظل يعاند ويماطل ويصف الناس بصفات منكرة لتشويه حراكهم والتنكيل بهم، ولهذا فالقتل ليس هو الحل على الإطلاق ومن الأفضل أن يسارع المسؤولون التشريعيون والتنفيذيون الى القيام بجملة إصلاحات حقيقية، وأن يبعدوا الفاسدين ليكسبوا ثقة الشعب وليس بالمماطلة والتسويف والتهديد فهي سلوكيات تقود الى حال الثأرية غير المحمودة. القتل ليس صحيحا، وليس سلوكا محمودا، وهو ليس حلا أبدا.