رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو هدد بتفعيل قواعد الإشتباك في حال إستمرت روسيا في إنتهاك الحدود الدولية لتركيا، إلا إنه من غير الواضح ما إذا كان أوغلو يعني ردا قاسيا يستلزم توجيه ضربات للروس في الجو، أو على الأرض، أم هو مجرد تلويح بالرفض وتبيان موقف تركي قوي مما يجري في الجوار الذي تدحلت فيه موسكو بطريقة لم تكن متوقعة وخلطت فيه الأوراق؟
فالكلام الذي أطلقه السيد أوغلو يمكن تفسيره بأوجه عدة خاصة وإن تركيا ومن ورائها الناتو يعلمون جيدا إن الأمور غير ميسرة في الوضع الراهن لإتخاذ مواقف مباشرة وحادة ضد الروس الذين لم يتركوا مجالا للشك في طبيعة النوايا التي يضمرونها وقد كشفوا عنها بإعلان واضح عن موقفهم الممالي للرئيس الأسد ورفضهم محاولة إسقاطه، وقيامهم بتوجيه ضربات مباشرة لقوى معارضة ليست مرتبطة بداعش محل النزاع العالمي وهدف كل التحالفات المعلنة من قبل الروس والأمريكيين.
روسيا فرضت هي الأخرى قواعد إشتباك جديدة ولكنها مختلفة، فقد إنتظرت لسنوات عدة وببرود أعصاب شديد، وتابعت الطريقة السلبية التي مورست من قبل واشنطن لإدارة النزاع في سوريا والعراق لتأتي بقوة وتنتزع المبادرة من الأوربيين، والأمريكيون لم يكونوا جادين على الدوام في وقف تمدد داعش، بينما الدول المحيطة بالعراق وسوريا إرتبكت كثيرا وإرتكبت المزيد من الأخطاء، وصار العالم موقنا بفشل السياسة الأمريكية التي لم تنجح في تغيير المسار، وكان التدخل الروسي صادما، لكنه جاء في لحظة كافرة حيث تسبب في تغيير كامل في المسار، وفرض شروظ لعب جديدة لايمكن المخادعة فيها، أو تجاهلها، وضمنت موسكو دورا فوق المعتاد وترسيخا لنفوذ مميز على المدى القريب على الأقل.
صار لزاما على الجميع من المتورطين في القضية السورية من عرب وغربيين أن ينتبهوا جيدا لطبيعة الدور الروسي ومايرسخه من تغيرات على المديين القريب والبعيد في المنطقة والعالم، فلم يعد ممكنا البحث في مصير الأسد حاليا وهو موضوع تجاوزناه تماما لإشتراطات مرحلية، حتى تردد صدى لكل العبارات التي أطلقها الزعماء الغربيين الذين صرحوا بعفوية، إن الأسد يمكن أن يستمر لمرحلة قادمة سيعمل الروس على إطالتها من خلال إستهداف معارضيه المعتدلين والمتشددين، هذا عدا عن التعقيدات المحتملة نتيجة ردود فعل غاضبة من قبل المناوئين للتدخل الروسي المباشر، ومايمكن أن تثيره من مشاكل تعقد المشهد السوري ولايمكن أن تساهم في حله.