بين فترة وأخرى ألتقي بشخص أو يلتقيني شخص بالصدفة، شخص لا أعرفه، لكنّه يوقفني ليقول:
أتابع مقالاتك أسبوعيّاً، أنا أحبّ ما تكتب حقّاً، لكنّني في بعض الأحيان - أو غالباً - لا أفهم ما تقول.
***
بدءاً أحبّ أن أشكر هؤلاء الأشخاص على صراحتهم، لكنّني أشعر بشيء من الذنب أيضاً، فأنا أكتب دون أن أنتبه إن كان ما أكتبه غامضاً أم واضحاً، لأنّني غالباً ما أكتب عن تجربة شخصيّة جدّاً، وعند الكتابة لا أفكر إلا بها، لكنّني لا أفتعل الغموض في الكتابة على العكس تماماً، لأنّني معني بايصال التجربة أو على الأقل جعل القارئ يقترب منها، يهمّني جدّاً أن يخرج القارئ بشيء، سؤال أو إنتباهة، المهم أن يشعر بشيء ما قد أُضيف الى تجربته الشخصيّة.
***
أراني أكتب بوضوح صارخ عن تجربة ما، ثمّ أكتشف بالصدفة، أنّ هناك قرّاء يتابعون ما أكتب، إلا أنّ الكتابة لا تعطي قيادها بسهولة، القارئ يعاني من غموض ما، ويبدو الأمر غامضاً لي أيضاً، لكن، مع إنتباهة قليلة، يمكن أن يتّضح سبب الغموض، إنّه بالتأكيد عائد الى إختلاف التجربة الحياتية.
***
نعتقد أنّنا نتكلّم لغة واحدة، وهذا وهمٌ كبير، لأنّ كلّ واحد منّا يتمترس خلف دلالاتٍ تخصّ تجربته في الحياة، سيكون للكلمة دلالتها الخاصّة، الدلالة التي قد لا تنفتح على الجميع، وفي أحيان أخرى تكون بعض الكلمات وكأنّهن يولدن توّاً.
***
أريد أن أقول أنّ لكلّ وحد منّا لغته الخاصّة داخل اللغة العامّة، ولا بأس أن تبتعد اللغة الخاصّة عن اللغة العامّة، لأنّ هذا دليل حيويّة اللغة، ودليل ديمومتها، لكنّها حيويّة تتطلّب ممّن يتكلّمون بها أن يواصلوا الجري خلفها، وهذا يعني أنّ على القارئ أن يبادر أيضاً في محاولة الإحاطة بالمتغيّرات الثقافية الجديدة، أو على الأقل، الإقتراب منها.
***
أريد أن أقول أيضاً أنّ الإحساس بالغموض أمرٌ صحّي، لكن بشرط تجاوزه، عبر الإنفتاح على آليات التفكير التي تقف وراء الخطاب في هذه المقالة أو في سواها.