أن تجد نفسك في صَخَبِ الهويّات مندهشاً متسائلاً: كيف لهذا الكمّ الهائل من البشر ألا ينتبه لإنحشاره داخل تعاريف ضيّقة، بل تكاد الهويّة أن تكون هوّةً سحيقة، والكل ينزلق داخل هوّته الخاصّة وكأنّها النافذة الوحيدة للنجاة؟!
***
أن ترى الأضداد في زجاجةٍ مرميّةٍ في بحر هائل، وترى الأضداد يتصارعون على احتكار الزجاجة وكأنّها العالم اللامتناهي؟!
***
ما ارتفع صَخَبُ الهويّات على الأرض إلا وإزداد عقل الإنسان ضيقاً وانغلاقاً.
***
الهويّة تقود الفرد كشاةٍ دون أن يعي، تأخذه الى مَحْبَسٍ ضيّقٍ، بل تقترح له مكاناً صغيراً داخل المحبس الضيّق. الهويّة لا تمنح الفرد فضاءها كلّه، تحجّم له وجوده، فهو مقيّدٌ بما يتوهمه الحريّة ذاتها، غارق بما يراه النجاة.
***
العجيب أنّ صَخَبُ الهويّات الآن يُدارُ سياسياً ليكون صَخَباً دينياً، فالسياسة الآن أقرب شيء الى العقل الديني، بل هي ترفع شعار الدين باعتباره حدّاً فاصلاً، ويندرج الإعلام في ترويج ذلك والتصعيد لما هو أكثر ضيقاً، دون أن ينتبهوا الى أنّ الأديان كلّها واحدة، وأنّ الإختلاف بين الناس زمني وليس دينياً.
***
لقد هذّبت عصور التنوير في أوربا خطباء المسيحية فسكتوا عن نصوص السيف في الإنجيل دون أن يبادروا الى حذفها.
يحتاج المسلمون الى عصور تنوير مشابهة تمتلك القدرة على تهذيب عقول الخطباء في السكوت عن نصوص السيف في القرآن.
وبهذا يكون نصُّ "لا إكراه في الدين" القرآني مقابلاً لنصّ "أحبّوا أعداءكم" الإنجيلي، أقول ذلك رغم أنّني أرى أنّ الدين بكلّ اختلافاته يمثّل لحظة تاريخية منتهية.
وأعتقد بعمق أنّ تصعيد الحسّ الديني سياسياً - في الغرب - الى مستوى الصراع في اللحظة الراهنة هو تصعيد من أجل ضرب إعلان مبادئ حقوق الإنسان الذي أقرّه مجلس الأمم المتّحدة.
ما يحدث الآن في الغرب هو التنصّل من الإقرار بمبادئ حقوق الإنسان.
***
أجلس على حافّة البحيرة وأفكّر بالبط المنشغل عن الفضاء كلّه بالتنافس على فتات الخبز قرب الضفاف؟!
***