1
مَنْ جاء بك إلى هنا ومَنْ ورّطك وأوهمك بالقدوم وقد استبدّ بك العمر؟
المكان ليس مكانك، انه طارد لك، ولم تعوّل عليه في صنع حياتك!
مكوثك فيه لا يخلق حوارا بينك وبين موجوداته وان طال الزمن.
وجودك هنا ليس مغامرة وليس تقصيّا عن حقيقة ما، انه يشبه الاستدراج أو هو رضوخ لهاجس ما ألحّ عليك فكنتَ تابعه.
أنت تضيّع ما تبقّى من أيامك بلا جدوى، وتوسّع فراغها في هذا المكان..
وحدها اللعنة تزيّن لنا أماكنها فننقاد إليها!
ليس ثمة جوار محايد في البقعة الرخوة، وعليك أن تتوقع المنزلق في أية لحظة.
ربما تتشاغل الآن بما يرشح في عقلك من مبررات تمنحك طمأنينة زائفة، لكنها لن تقودك إلى مخرج ما.
ستبقى تراوح في مكانك وأنت تتفقد أشياءك الحقيقية الغائبة.
جميع الذين خسروا حياتهم استفاقوا بعد غيبوبة طويلة في منطقة شبيهة بمنطقتك!
أنت الآن تتوسل الخروج بأية طريقة وربما تبحث عن لحظة مواساة.
المواساة تمنحك الأمل الكاذب وتحثك على التأقلم مع المكان رغما عنك!
أن تهزم نفسك يعني أن تضعها في مكان غير جدير بها.
ليس لك سعة في المكان الذي انقذفتَ إليه وسوف تخذلك إمكانيتك في التصالح معه.
سيتلقفك من هم أجدر منك على التأقلم مع جميع الظروف!! فتضيع في دوامتهم وتستهلكك وصاياهم وعبثا تحاول الافلات من الزنزانة التي يحشرونك فيها.
ذلك ان كل وجود بالاكراه هو زنزانة!
2
الذات المقتولة تستسلم للانحشار، معلّلة ذلك بان ليس ثمة حل، الرضوخ مصيدة الهاربين من أنفسهم.
لا توجد فسحة لتطل منها على ذاتك، الأشياء المجاورة لك تنسحب رويدا رويدا، فجوارك يقلقها ويبث فيها الذعر.
ربما ستنمو لك لا حقا أبر سميّة يخشاها الجميع، سيجعلك الخوف عدوانيا!
قدومك كان بلا مقدمات، أشبه بسقوط لطائر يمارس لعبة ما في الفضاء، ثم تحول هذا السقوط إلى لحظة ارتطام غير متوقعة، لحظة الارتطام هذه أفقدتك توازنك فأضعتَ المشيتين.
ذلك لأنك لا تجيد قواعد اللعبة، فأصبحتَ استعراضا تطلبته لحظتك المعلقة بين زمنين.
إن جنايتك تخصك وحدك، تخص كيانك، وعندما تتعذر عليك سبل الخلاص تستقدم كل ما حولك إلى خانقك الضيق، وربما تحطم كل ما يقف في طريقك.
ويبقى السؤال المناور:
مَنْ حرّضك،
مَنْ أغواك،
ومن اقتادك إلى هذا المكان كما تنقاد البهيمة وليس ثمة مصادفة جلبتك؟
هل تعطلتْ ممانعتك حينها ورأيتَ مثلما يرى المسحور بعضا مما تهفو إليه هواجسه؟
خلاصة حكايتنا مع التاريخ:
اننا في أماكنه الخطأ، وحضورنا يظل سهوا في توقيتاته، وأيامنا أشبه برفسات محتضر، وأسئلتنا لازمة لتتمة هذياناته.