1
مهما بلغ، بعضهم، من الكِبر فثمة زعطوط يتخفّى فيه، وهذا الزعطوط، خارج لامحالة ومُريكَ من أمر صاحبه عجبا، ومهما كانت كثافة الحجب والأقنعة التي يسبغها على شخصيته! والزعططة لا علاقة لها بعمر معين أو فترة زمنية محددة من حياة الناس، انها نوايا كامنة سرعان ما تثيرها المهيجات التي تجعلها تنفلت من عقالها، فاضحة لديكور الشخصية الخارجي المغلف بالألوان البراقة!
الزعططة تكشف الجانب اللاعقلاني في الشخصية البشرية وهشاشة كيانها وعدم توازنها وغالبا ما تكون مشبّعة بالأحقاد والضغائن.
انها أشبه بالاعترافات اللاواعية التي يطلقها المرء دفعة واحدة، مثل صلية نارية على ضحيته ليفرغ عليها احتقانه، ولا يعبأ بمن حوله ولا ينصت لما يُقال له من نصائح أو توبيخ وعلى الجميع أن ينصت لما تقوله هواجسه المنفلتة!
وسوسولوجيا الزعططة هي رد فعل مباغت لمهاجمة الآخرين دون أدنى حساب للعواقب.
وصاحبها يفتح الأبواب الموصدة دون أن يدري ويطلق العنان للطيش والنزق المؤجل في داخله.
والزعطوط لا يستطيع أن يلغي لحظته التي كانها أو كانته، فثمة أمر واقع يشير إليهما، وهي ليست محض فلتات لسانية وهستيريا انفعالية، وإنما هي النفس وقد ألقتْ أثقالها وتخلتْ عن الكوابح التي تلجمها فظهرت على صورتها الحقيقية!
2
الزعطوط يعيش هدنة مؤقتة مع نفسه مادام يحول دون أن تطفو قاذوراتها على السطوح! ولأجل ذلك فالأقوال التي تخرج من المتصنعين والاستعراضيين وأصحاب النزعات الوثوقية على المنابر غير موثوق بها وملفقة في أغلب الأحيان وتبدو كما لو انها تؤدي دورا في حشد ما.
فالتصنّع، كما هو معروف، يفسد السليقة، وغالبا ما يفتعل هذا التصنع رقصة القطيع، في حين ان أعماقه تغلي بلهاث الذئب الذي يتوق إلى الافتراس.
الزعططة منجم للتبرير وادعاء الحجج الواهية.
انها المرآة المقابلة بلا أصباغ، حيث يتسيّد المضمر وتتهتك حجب ما. فما يتكتم عليه الزعطوط سيندفع خارجه وربما يظل أسير اندفاعته، فالمكوث في الصورة الواحدة، بالنسبة له، محال، إلاّ إذا كان في قوقعة لا يخترقها إلاّ الموت. انه يطفو على أوهامه في لحظة الزعططة تلك دون أن يعي ذلك.
ولا تجدي راية الندم والاعتذار التي يرفعها صاحب هذا السلوك لاحقا وبعد أن تسلتتْ منه خيوط وشيعته الداخلية وطوقت عنقه وجعلت صوفته حمراء تدل عليه بيسر.
فماذا يجدي الاعتذار عندما تكون الطعنة مميتة، هل نعلق الأمر على انفلات ما، خارج القصد؟
الزعطوط يعتقد، ان ليس بإمكانه تأجيل ما لا يمكنه السيطرة عليه، عندما تخذله مجريات الأحداث ويجد نفسه في موقف المواجهة.
وربما خدعته فكرة انه ينتج موقفا في زعططته، ويضع النقاط على الحروف، وعندما تنجلي النهايات يكتشف ان ليس ثمة نقاط ولا حروف، ليس إلاّ الحطام!