1
الذات الممطوطة لا تجيد إلا المط فهو مهنتها الوحيدة، حتى الخيال عندها يصبح كابوسا ممطوطا وتفني حياتها في المط والتمطيط والمطمطة فتغدو أيامها أشبه بدوامة تمط نفسها!
وصاحب الذات الممطوطة هو من بقايا سلالة أدمنت المط حتى أكلت نفسها.
إنه يستهلك نفسه بلا معنى، أي يمطها، وهو يعيش في استطالة لا تعني أحدا ولا تعنيه هو نفسه لأنه من سلالة ممطوطة إلى آخر لحظاتها.
الأيام تمطنا أو نمطها أو تمط نفسها من خلالنا أو هناك من يمطنا سويا !!
المط لغة تسطيرية، تصفيفية، تلفيقية، لا تفرق بين الاستهلال والإسهال وبين الاسترسال والاستغفال أو الاستهبال، ذلك لأن الحقيقة لغة صادمة أما توريتها في عالم مطاطي فهي فسحة لنا نستطيع من خلالها أن نهذي إلى مالا نهاية!
في كثير من الأحيان نمط الأسئلة والأجوبة بحيث نبدو داخلهما أشبه بمساحات متروكة للمط ولذلك نادرا ما نعثر على نهاية ما في حواراتنا المطاطية لأن النهاية لا تعنينا وكلما شارفنا عليها بحثنا عمن يمطها لنا!!
تكرار الأسماء والصفات والمناصب والألقاب التي ما أنزل الله بها من سلطان والتي لا تعني شيئا محددا هو الوجه الآخر للمط، انه رسالة في تعمية العقول والسرقة الواضحة للزمن والاحتيال على الأيام، حيث يجعل الأبواب مفتوحة على مصراعيها ويقودنا إلى الركض المجاني.
2
بعض شعوب جنوب شرق آسيا كانت تسمّي شجرة المطاط فيما مضى: شجرة الدموع.
ربما أدركتْ مبكرا من خلال تلك التسمية أن ثمة من ينتحل صفاتها في المستقبل ويزيّف دموعها عندما يمط دوره في الوجود!
ويذرف دموع التماسيح لتأكيد صدق نواياه وخداع الرعية مثلما يفعل الذين يمطون أنفسهم على الكراسي التي تهرأت من وجودهم فكأنهم قدر الله المطاطي على الأرض!
في المط ليس ثمة أمام أو خلف بل جرجرة إلى جميع الجهات، والعاطلون يمطون فراغ أزمنتهم بالتصريحات المطاطية، انهم ينحتون مصطلحات المط من تجاويف أنفسهم الممطوطة.
هل ينبغي لقرد السيرك، رغم مؤهلاته المطاطية الواضحة للعيان، أن يصف لنا ما سيؤول إليه أمرنا وما سوف نحصده من نتائج، وهو وأمثاله جوقة متقدمة لخذلاننا، من خلال أفكارهم المطاطية السوداء التي تسد علينا منافذ الإبصار؟!
ذلك هو الخيال المطاطي للصوص الذين يلوذون بالفرار، عندما يُكتشف أمرهم، ثم يقومون من أماكنهم البعيدة بفبركة الأقاويل التي تخوفنا من النتائج، مادمنا سلّمنا أمرنا للصوص الجدد وأقصيناهم، أي أقصينا اللصوص القدامى!
ليس ثمة من يأبه للحساب الآجل في العالم المطاطي، فغنائم اللحظة المتاحة أمامه تستبد به وتعميه وتمط شراهته، قبل أن تلتقطها أيادي غيره الممطوطة، وما تصور النتائج المترتبة على ذلك في تفكيره، إلاّ ضربا من اليوتوبيا التي تحتمل كل أنواع المط !