1
يكتب أحدهم نصا ويعلق تحته:
لقد ترجم إلى الكثير من اللغات وحين تقرأ النص أكثر من مرة وتعيد النظر فيه وتتأمل هزاله فلا يسعك إلاّ أن تسأل الكاتب:
هل هذه اللغات التي ترجم إليها النص من اللغات الحية أم اللغات المنقرضة؟!
وهل ترجم النص بأخطائه الاملائية الفادحة أم أجريت له عملية تجميل عاجلة؟
وبالتأكيد لا نعرف من قام بالترجمة، فهم كثر بعدد اللغات المترجم إليها، ولا نعرف أيضا سرّ إجماعهم على ترجمة نصوصه وهو لم يشب بعد عن فترة الحضانة!
وفي مكان آخر تجد اسما لكاتب مسبوقا بصفات الموسوعية والانسكلوبيدية والمفكر وما إلى ذلك.
ركام الكتب التي يزخّها للمطابع كل شهر، والتي لا تعدو عن كونها خواطر للاستهلاك اليومي، هي التي أغوته بذلك وجعلته يصدق الكذبة التي يكذبها على نفسه!!
وإلاّ هل قرأتم فيما كتبه المفكرون الحقيقيون، بأن وضع أحدهم اسمه مسبوقا بالمفكر أو الموسوعي؟
الموسوعية عندنا أصبحت وصفة جاهزة مثل شهادات سوق مريدي.
وفي مشهد آخر يحزنك أن ترى النكرات وهم يطلون عليك من جهات القول وخصوصا الفضائيات ليعطونك دروسا في الفكر والنظرية والتطبيق والايديولوجيا وفصل الخطاب.
ويصفون أنفسهم بأنهم المحللون الجدد والمفكرون الاستراتجيون ونخبة النخبة الذين قفزوا إلينا في الوقت الضائع.
أسماء تنط وسط الفضاء السبراني وهي تحمل أوراقا لا تعدو عن كونها ملخصات لما قرأوه في كتاب ما، ليحللوا لنا الوقائع وما آل إليه أمرنا وما الذي ينتظرنا.
انهم الهامشيون الذين يدعون الموسوعية ويحشرون أنفسهم في فراغات الأزمنة ليزيدوننا عتمة ووحشة.
***
2
لماذا هذا الطفر فوق موانع التاريخ والحقيقة، وهل هذا هو تواضع العلماء والكتاب والمفكرين؟
ان أسباب ذلك كما أرى الانترنت وتعدد وسائط البث وقلة الحياء، فمادام باستطاعتك أن تكتب ما تريد وتقول ما تريد ومن دون رقيب ذاتي، فمن حقك أيضا أن تصف نفسك بما تريد وتشتهي، رغم أن المعروض الكتابي أو الشفاهي منك يخذل تلك الصفات التي تطلقها على نفسك إلى درجة ان البعض يتساءل:
أما يستحي هذا الرجل من ادّعاءاته الخرفة وذلك الترقيع الكتابي الذي يحسبه على الموسوعية؟
ولماذا يحشر نفسه على ملاك التاريخ قبل ان يجعله التاريخ من ممتلكاته؟!
ان الموسوعية تعني الشمولية والكليانية والإحاطة بالمعرفة من جميع جوانبها، أما ما لصقه السذج من صفات الموسوعية على بعض الكتاب والرواة فما هي إلاّ أكاذيب وافتراءات روّجوها لغايات غير نبيلة ولا تخدم المعرفة.