" تَغُرُّ وَتَضُرُّ وَتَمُرُّ..."
الامام علي يصف الدنيا
1
يُجزُّ حبلك السري وتخرج إلى الوجود، فتسعى أمامك حبال لا حصر لها، تتلوى مثل الأفاعي فتحرضك على أن تمد لسانك لتتذوق نكهة الموجودات من حولك طلبا للذة والحيازة والاستئثار.
الحبال تستدرجك لتنغمس فيها وتنهمك في لزوجتها، ومن ثم تغويك وتجعل اللهاث دالتك في الأزمنة.
انك في جهة المرور باتجاه واحد، باتجاه القبر، فلماذا تتلفت إلى مسالك ليست لك وليس لأحد أن يدّعيها؟
نسختك الواحدة لا تحتمل التكرار وينبغي أن تراجعها كل لحظة، أن تجعلها متطابقة مع البياض الذي تنكتب عليه، فالخطأ هناك، يوم تقوم عليك الحجة وتنقطع الأعذار، لا يقبل التصحيح مطلقا!!
لا تجعل حواسك مصيدة للاستغفال وأنت تلبط فيها مثل سمكة مزهوة بوفرة المياه، فشبكة الصياد لا ترحم، وعندما تلفّك الشباك تكون القطرة الواحدة يوتوبيا بعيدة المنال، فلا تفرط بكلك لجزئك فيستدرجك ذلك الجزء إلى السراب.
أيها الواقف خلف ذبوله، هل أبصرتَ الصحراء وهي تنشّ عن وجهها ذباب مقابرها في مرآتك؟
أنت موقوف أمام ما يتقدمك وعليك تسديد الحساب الذي بذمتك، ربما كانت ذمتك حفرة سقطتَ فيها قبل الأوان مادمتَ قايضتها بصفقات مريبة!!
أنت لم تخرج من جبّ المصادفة لكي تدّخرها في تقاويم أيامك، فاليوم الذي يمر بك ليس يومك ولستَ مالكا للأيام كيما تعدها ضمن مقتنياتك، إنها العدو الذي يجاهر بعداوته وقد قال لك ذلك مرارا!
ليس لك إلاّ أن تتحاشى العدو وتغضّ الطرف عن عرباته المأهولة التي يضعها أمام ناظريك لاستدراجك.
خديعته تكمن في تذليلك وجعلك مطية له والتفرج على انزلاقك في متاهته، فلا تخسر يومك في مرضاته والترويج لرايته التي ستصبح كفنك.
2
الأيام فخاخ منصوبة وكل فخ أشرس من الذي يليه فلا توطد نفسك في تقاذفها لك، ولا تجعل نفسك أضحية منذورة لها لكي يسيل دمك بلا معنى على جهات تترصد غفلتك.
كل - معدود منقضٍ - وتلك الأيام نداولها بين الناس - تلك حكمتها، فلا تسترخي عند أرقامك ولا تنمّيها بشراهة لكي لا تكون رقما مضافا إليها فتسحقك دوامتها، فسيرك إلى جانبها غير مأمون العواقب.
لا تتقاطع معها ولكن اظفر بقطيعتها.
وحدك تتفرج على الضآلة التي تحف بك، لا منأى لك ولا منتأى ولا مهرب وعبثا تناور في الزاوية الضيقة التي تمنحك لحظة التقاط أنفاسك، فلا أحد يراك ما لم تكن رأيتَ نفسك من قبل ووضعتها المقام الذي تستحقه.
هنا أو هناك لا فرق بعد الآن وقد ارتددتَ إلى نقطة الصفر، إلى هامشك الأول، فما جدوى الصراخ بعد فوات الأوان وقد كانت الاتجاهات واسعة أمامك فعميتْ عنها عيناك؟
لا تركض مع الراكضين فليس كل راكض يركض لنفسه أو يحاول اللحاق بها أو يتمرن على ترويضها، انها أشبه بركضة الأعمى حين تشب حوله النار فلا يعرف الجهة التي ينبغي الركض إليها وقد يركض باتجاه النار .
الموت الذي يترصدك يتقافز فيك، بل أنت دميته التي يلهو بها، وكل لحظة لك معه شأن، وعبثا تطرده من لحظتك، أنت مسلّط باتجاهه وهو من يتلقفك أخيرا ويبصم على جثتك.