1
بعضهم يشبه برميلا مملوءا بالأقاويل، وهو يحتاج إلى التنفيس دائما،
وحين يتحدث أمامك فأنت لا تعرف الجهة التي يتحدث منها حقا أو يقوم بتنفيسها!
يلاحقك بالقيل والقال،
وأصل الخصومة والمتورطين بها،
ويرسم لنفسه موقفا خارجها وكأنه الراوي المحايد للأحداث لا المفبرك للكثير منها؟!
وميزة هذا البرميل ان طاقته التخزينية لا حدود لها،
وبهذا فهو يستطيع أن يؤلف مجلدات من الحكايات الشفاهية دون أن تنفد ذخيرته.
يلطمك بحكاية ويجرك إلى سوالف فرعية وليس لك مقاطعته،
فأنت أمام سطوته التي تشبه القضاء والقدر.
يفاجئك بنشرة أخباره العاجلة والآجلة ثم يطوقك من جميع الجهات،
كما لو انك وقعت في كماشته،
ويترقب ردود فعلك ليتخذ منها أخبارا لنشرته القادمة!
يتدافع مع نفسه، دائما، من أجل أن يسرّب ما يصطخب فيه.
أمثال هؤلاء هم رواة التاريخ المزيّف الذي نتناقله.
عدّته جاهزة،
ومجساته تلتقط ما تناءى وله حاسة تتشمم المجالس المنعقدة حتى ولو كانت على الحافات البعيدة!!
2
إن تحدثت معه فهو لا يصدقك، وإنما يصدق ظنونه، ولكنه يروي ما قلته له مسرّبا من خلاله ظنونه.
له في كل جدار ثقب وفي كل ظلمة عين وعلى كل درب لوامس.
يسعى إلى الخبر الطازج ما أؤتي إلى ذلك سبيلا، لا من أجل المعرفة وكشف الغمّة وحل اللغز،
وإنما من اجل أن يكون له قصب السبق في حيازته وروايته قبل غيره،
وربما ينافس وكالات الأنباء العالمية في سعيه هذا!
كل ذلك، من أجل أن يقف على برميله هذا، ويصبح الناطق الوحيد في مضمار الأقاويل والكل يسمعونه مكرهين،
فعقدة السبق والأولية تقضان مضجعه وبهذا يكون قد قاد الجميع إلى منبره سواء بوعيهم أو بدونه.
يراقبك من طرف خفي ويقتنص ما تساقط منك، بل يحسب عليك حتى أفعالك اللاإرادية ثم يصوغها أخبارا إن شحت عليه الأخبار فيما بعد،
فهو لا يريد لنشرته أن تتوقف أما الفواصل بينها فهي فسحة أخرى لكتابة خبر آخر!
استعدَّ لمناورة الحياة حتى إن أخباره تفوق ما تأتي به الطبيعة من أخبار.
وهو يظن إن له بسالة المراسل الحربي حين يجلب الأخبار من الخطوط المتقدمة للاشتباكات،
لذلك ينخرط في مهمته بهَوَس جنوني.