مقارنة بين مانحن عليه الان كشعب عربي ، وما كنا عليه في الماضي، هو ان ماضينا الثقافي والاجتماعي كان مليئا بالعديد من القصص والحكايات والامثلة التي كانت تعتمد في سردها عن طريق من يملك ثقافة السرد القصصي والروايات المنقولة وعن طريق المختصين بهذا الاسلوب، منها حكايات مجسدين من خلالها الشهامة العربية ونبل اخلاقهم، اضافة الى شجاعتهم وتصويرها تصويرا فيها شيئا من عنصر الخيال والتشويق، وسرد العديد من الحكايات التي قد تكون اسطورية او حقيقية والتي يشوبها شيئا من خيال المتحدثين بها، غرضهم من هذا هو خدمة الاوضاع الراهنة للمنطقة والتي هدفها خدمة الواقع السياسي والثقافي والتاريخي والديني وبث روح الحماسة، والاندفاع بحكاياتهم تلك لاهداف قد تكون مخفية عن العيان او علنية ومكشوفة للملاء، غايتهم من ذالك هو التوسع بالفتوحات والاستيلاء على الاراض المجاورة منهم لتقوية اقتصادهم وتوسيع نفوذهم من خلال معارك دامية دارت رحاها في ذالك الماضي وفي حاضرنا ايضا، تلك المعارك للفتوحات العربية والاسلامية التي اجهدت وانهكت من خلالها جيوشنا والتي لم تكن تملك من التغطية الاقتصادية والاحتياجات الشخصية لها من مؤونة وذخيرة ومن كساء وملبس ومن الاليات الحديثة والمتطورة التي كانوا يعتمدونها ان كان في الماضي او في الحاضر.
وفي حاضرنا لهذا اليوم، مازلنا نردد شعارات من تاريخ ماضينا لتازير ارادة شعوبنا ضمن هذه المرحلة الراهنة لتقوية عزائمهم والهدف من ذلك، تذكيرهم بماضي تاريخنا بثقافته وحضارته وتطور علومه والتي واكبت ذالك العصر خدمة لتلك المرحلة التاريخية من تاريخ شعبنا العربي والاسلامي.
ومع مضي السنين والعقود الزمنية على ذالك التاريخ وتطور اساليب المقارعات والحروب في عصرنا اليوم، الا اننا مازلنا نتفاخر بشعارماضينا والذي هو (الطوب احسن لو مكواري) واذا ماقارناه مع ماتوصلت عليه دول العالم من تطور التكنولوجيا والاسلحة الفتاكة والصواريخ عابرات القارات والمحيطات، والتسابق الحالي بين الدول الكبرى في غزو الفضاء الخارجي، لتوصلنا الى حقيقة ماساوية من ان هذا الشعار (الطوب احسن لو مكواري؟)
لا يجدي نفعا في مرحاتنا الراهنة، عفوا ،انا لا استخف بهذا الشعار، ولا اقلل من شأنه، ولا من شان من رفع هذا الشعار، لانه كان بمستوى ماكان عليه الحال انذاك في المرحلة الماضية يوم كان للطوب ذا شان وللمكوار قوة يستعين به ثوارنا يوم ذاك ،واما نحن في مرحلتنا الراهنة والمتطورة في هذا الزمن العصيب يوم لا ينفع الطوب ولا المكوار، ايصح ان نتخذ منه شعارا لمرحلتنا المعاصرة؟
قادني هذا الحديث عن استغرابي من بعض الباحثين والمعتمدين على بعض الاجتهادات الذاتية والاستنتاجات الغير المعتمدة على الادلة والبراهين والتي لا ترتقي الى شيىء من المنطق، والحقيقة، ونحن ضمن مرحلة ثقافية تحتاج الى بحوث منطقية، تعتمد على العقل والمنطق ،معززة بالادلة والبراهين، تعززمن صحة بحوثهم عن تاريخ معظم الكتاب العالميين ومنهم شكسبير، اهو شكسبير ام انه شيخ الزبير؟
البيضة من الدجاجة لو الدجاجة
من البيضة؟
ومما يؤسفني ايضا ان هؤلاء الباحثين لا يتطرقون الى مضمون نتاجات ادب وليم شكسبير، ولا الى ماتضمنته نصوصه الشعرية الرومانسية والاطلاع على بلاغتها ورومانسيتها السحرية وعظمة تاثيراتها على المتلقي، ولا الى ماتضمنته نصوصه المسرحية والبحث عن اهم خصوصياته في الكتابة لهذه النصوص والتي صاغ احداثها في مشاهد مستوحات من تاريخ وسيرة حياة الملوك، وعظماء القادة العسكريين وتحركاتهم الخيانية، حيث تميزت نصوصه اضافة الى احداث عصرها فيها تنبأ عن المستقبل بطرحه احداثا حلت بنا نحن في عهدنا المعاصر .
والباحثين الافاضل لهم كل الحب والتقدير يتهافتون على البحث بخصوصية انتمائه وعرقه وجنسيته الحقيقية، هل هو عربي ام انه انكليزي؟ أفلسطيني هو ام بصراويا من العراق اي من الزبير ؟
ذكر بعض الباحثين العرب وعلى سبيل المثال، ان شكسبير عربي الجنسية، كيف؟
لان اسمه مركب من مقطعين اولهما شك، والثاني، سبير،معرفين هذا الاسم على انه يعني بالعربية (هزاز الرمح)، وان انتمائه الى القطر السوري ولهذا هو عربيا، وهذا الاستنتاج مبني على دليل هو، لو لم يكن شيخ الزبير عربيا فكيف استطاع تجسيد شخصية عطيل، ورسم معالم ابعاده الطبيعية (جسده) سمرة بشرته اضافة الى رسم معالمه النفسية والمليئة غيرة شرقية عربية بتعامله مع حبيبته دزدمونه معللين هذا التحليل لشخصية عطيل بان الكاتب لو لم يكن عربيا فمن اين له هذه المعلومة في رسم معالم شخصية عطيل والمقاربة لاوصاف الانسان العربي، ولهذا استطاع شيخ الزبير من رسم معالم شخصية عطيل لكونه ينتمي الى الجنسية العربية -- يا سلام
والرأي الاخر يؤكد بان وليم شكسبير هو عربيا ومن البصرة في العراق، بدليل ان اسمه شكسبير ويعني شيخ الزبير، ورحيله عن البصرة في العراق الى لندن وفيها دمج اسمه ب شكسبير.
وكثيرة هي المفارقات والمقارنات الواهية والتي شبيهة بحزورة اشتهرت بنقاشها الجدلي مفادها (البيضة من الدجاجة، لو الدجاجة من البيضة).
والرأي الاخر يستند على صورته الشخصية مقارنة بشخصيات عربية من حيث لحاه وشاربه وشعره الكث وصلعته الممتدة من الامام والى خلف رأسه، اضافة الى وسع عينيه السوداوتين، وهذا الراي ايضا خاطىء لا يستند الى اي دليل قاطع، اضافة الى ان علماء الوراثة افادوا بتقاريرهم العالمية بخصوص توضيح بعض ملابسات علم الوراثة ان هناك ادلة وبالبراهين افادت بظهور صفات وراثية حديثة في تسلسل ابنائها واحفادها لا تشابه اسلافهم من حيث الصفات الوراثية كلون البشرة وطول وضخامة الجسد ولدينا الادلة التي تؤكد على صحة ذالك ،حيث يوجد العديد من الشخصيات العربية الاصل لهم من العينين الزرقاويتين والشعر الاشقر وبياض البشرة وانتمائيتهم من الاصول العربية، فهل يعني هذا انهم ينتمون من جذور اوربية؟
وبعكس هذا ايضا مما يملكون من البشرة السوداء، والشعر المجعد، وانما انتمائيتهم من العرب وليس من افريقيا الاستوائية، ومع الاسف لمثل هذه البحوث والتي تذهب جهود باحثيها سدا ومن غير استفادة القارىء من بحوثهم.
ومما يؤسف له ايضا، ان معظم الباحثين من الذين يبحثون عن مثل هذه الاستنتاجات تعد قشور سطحية لعدم اهتمامهم بجوهرية البحث عن المضمون، وذالك لغرض الاستفادة من تجاربهم وخبرتهم وثقافتهم، كما كان معمولا عند الباحثين الاوربيين والذين اكتسبوا من ثقافتنا العربية، وطوروها باتجاه الافضل.
انا لست ضد تسليط الاضواء على حياة بعض الشخصيات من الذين تركوا بصمات حية والتي مازلنا نعيش على تجاربها وخبرتها وثقافتها مستمدين منها كل المعرفة، وياليت هذا البحث (الدجاجة من البيضة لو البيضة من الدجاجة) يستند على ادلة وقناعة حقيقية من خلال سجلات الميلاد والمعتمدة في محل ولادته الحقيقية، لا عل الاستنتاجات الاجتهادية معتمدين على تشابه الاسماء باللفظ ليبرهنوا من خلالها على انتمائيته.
انما مهما تلاطمت الامواج وغاص الباحثون في سجلات حقيقة ميلاده فسوف لا يجدون سوى اسما واحدا تحمله شخصية عبقرية اسمها وليم جون شكسبير
اذن من هو وليم شكسبير؟
لم تكن تتوقع مدينة ستراتفورد اون افون بولادة كاتب عبقري والذي سيصبح يوما من عباقرة الادب الانكليزي، وان هذا الطفل سيعيش بين اجواء هذه المدينة، وان يترعرع بين احضان والديه جون شكسبير احد التجار لبيع القفازات الجلدية ووالدته ماري اردن ابنة احد الاثرياء من المزارعين والذي له حضورا اجتماعيا في هذه المدينة، حيث عاش وليم جون شكسبير وهذا هو اسمه من سنة 1564---1616. تذكر بعض المصادر المؤكدة، ان والده جون كان تاجرا وغنيا من اغنياء المدينة، ولموقعه الاجتماعي المتميز اختير ليكون شيخا لتلك المدينة، اي عمدتها، ولكون ان هذا الموقع الوظيفي يحتم عليه مراقبة الانشطة الثقافية والفنية ومتابعتها من خلال عروض بعض الفرق الجوالة والتي كانت تحل ضيفة على المدينة لتعرض ما لديها من العروض المسرحية بعد فحصها وبيان مدى صلاحية عرضها من قبل العمدة جون والد وليم والذي كان يصطحب ولده وليم معه لمشاهدة تلك العروض المسرحية والتي كانت متنوعة منها التراجيدية ومنها الكوميدية، هذه الفرجة لهذه المسرحيات اثرت في حياة هذا الصبي الذي اختارت له طريقا ادبيا وفنيا لمسيرة حياته لينبغ بعبقريته في صياغة كتابة النصوص المسرحية والشعرية منها اضافة الى موهبة تنظيم الشعر الاوبرالي، الا ان هذا العبقري لم يتمكن من متابعة تعليمه الجامعي لافلاس والده ولعدم استطاعته دفع بعض الضرائب والمستحقة عليه (والمدون ذالك في سجل المخالفين، اي السجلات المدنية) مما دعاه هذا الظرف المتردي اقتصاديا من عدم تواصله وتخلفه لحضور الصلاة خوفا من القاء القبض عليه من قبل السلطات الامنية في المدينة.
فلو عدنا بادراجنا الى بعض الباحثين من العرب والذين اقروا بان شكسبير هو عربي الاصل، فلدينا الادلة والتي تدحض بحوثهم، لان المصار الانكليزية تؤكد على ان وليم جون شكسبير تلقى تعليمه في المدرسة المحلية ، حيث تعلم فيها اللاتينية واليونانية مستفيدا من خلال دراسته لعلوم التاريخ والتبحر في حياة ملوك عصره، اضافة انه تزوج من فتاة من بلدته اسمها هاتاواي، وانجب منها ابنة سماها سوزان، وتوأمين هما، هانيت، وجوديت، وهذا ما هو مدون في السجلات المدنية والقانونية والتي تدحظ اراء الباحثين والمجتهدين حول نسب وليم شكسبير، لان هذه السجلات نفسها تؤكد على ان وليم شكسبير هو ابن لام اسمها ماري ايدن ووالدها من الاثرياء المزارعين، حيث تؤكد المصادر المعنية والموثوقة، بان هذه الام التي رعت ولدها وليم كانت ذات شخصية قوية ومثقفة في الوقت نفسه، كونها كانت تتقن اللغة اللاتينية القديمة، اضافة الى ثقافتها اللغوية مولعة بقراءة التاريخ و حبها للشعر وللادب القديم، هذه الخلفية الثقافية والتي كانت تملكها ماري اردن والدة وليم شكسبير جعلتها تحرص على تثقيف ولدها والذي غالبا ما كانت تصطحبه معها الى الكنيسة وتعتني بتعليمه وتثقيفه.
تابعونا.....
لقد ترعرع شكسبير في مثل هذه الاجواء الاسروية متاثرا بثقافة والدته، اضافة الى تاثيرات ماكان يشاهده من العروض المسرحية للفرق الجوالة وكما ذكرنا انفا مع والده جون، جميع هذه التاثيرت جعلت من وليم كاتبا اسطوريا يرتقي الى عظمة لغته الانكليزية وقدرته على صياغة احداث مسرحياته والتي ابهرت العالم اجمع، متاثرين باسلوبه والذي لم يباريه اي كاتب من كتاب عصره، حيث اعتبر انذاك من اشهر الكتاب والمشاهير في الادب العالمي، والمتتبع لاحداث مسرحياته ستفاجئه المفاجئات من الاحداث المرسومة من عبقريته وكانه كان يرسم احداثا مستقبلية متنبئا لها من خلال ماكتبه في نصوصه المسرحية، ولا سيما في مسرحية يوليوس قيصر وبما فيها من حياكة المؤامرات والتنافس على السلطة والتي ادت الى اغتيال القيصر، وكما حدث في تاريخنا المعاصر في العراق ومصر من احداث مشابهة لاحداث مسرحية يوليوس قيصر، وكذالك في مسرحية هاملت وما تضمنته من الخيانة والتامر وتعرية المتامرين وكشف خيانتهم من قبل هاملت، وكذالك في مسرحية مكبث والحالة النفسية والهسترية التي لاحقت شخوص المتامرين والقتلة من عذاب الضمير.
ولهذه الخصوصيات التي ميزت مسرحياته باحداث مقاربة لاحداث عصرنا في انحاء العالم خلدت عبقريته، والتي لم يهتم بها مثقفي عصره الا بعد مضي سنين من تاليف نصوصه.
لقد جسد شكسبير حقيقة ما كان يحسه في ذاته، وما كان يتحسسه من المجتمع كردود افعال رسمت اعماله للنصوص المسرحية فكرتها تعتمد على المقارنات الاجتماعية مابين عائلة والدته الواسعة الثراء وبين الطبقات المسحوقة من ابناء الشعب، تميزت حياته بالغموض بحيث يصعب على اي انسان يكتشف نواياه واهدافه الا من خلال ما تتمخض عن كتاباته المسرحية واشعاره الرومانسية والتي خلدت نفسها واسمه ايضا وعلى مدى العصور الاحقة من حياته، اضافة ان تاثيرات والده الذي كان يتمتع بشخصية اجتماعية مرموقة ومكانة اجتماعية تميزت بالحضور بين اعيان المدينة ستراتفورد، كان لها الاثر في رسم بعض شخصيات نصوصه المسرحية.
ان وليم جون شكسبير كان يتمتع بشخصية اجتماعية ومكانة مرموقة بين المجتمع، بحيث بلغ من الثقافة التي اهلته ان يمتهن التدريس في بلدته ستراتفورد والتي اشتهرت بوجود مسرح يحمل اسمه ،ويشارك في تقديم اعماله كبار الممثلين والمتخصصين في عرض مسرحياته.
لقد جائت عبقرية شكسبير من خلال تاثره بمعاصريه من كتاب النصوص المسرحية، حيث انتهج في كتابة مسرحياته اسلوبا يطرح من خلاله الاحداث الماساوية والتراجيديا ومن ثم يعقبها بمشاهد هزلية وكوميدية هادفا من ذالك تخفيف وقع احداث العروض الجدية والماساوية على الحالة النفسية للمتلقي، اضافة الى ان خصوصية مضامين مسرحياته تتسم برموز احداثها لكل مرحلة من مراحل التاريخ، ولا سيما المستقبلية، وهذا بالطبع يعود الى خصبة رؤية كل مخرج ومدى استيعابه لرموز نصوصه ولا سيما التي تتضمن حياة الملوك والقياصرة، واهتزاز عروشهم من جراء المؤامرت والخيانات من قبل حاشياتهم وقادتهم.
عبقرية شكسبير
تعود اسباب عبقرية وليم جون شكسبير الى انه ملم بلغات عديدة ، اكتسبها منذ نعومة اظفاره، حيث تعلم مبادىء اللغات اللاتينية واليونانية والفرنسية، ولهذا مكنته ثقافته اللغوية من تناول التاريخ والادب الكلاسيكي التي انعكست على نصوصه المسرحية .
هذا العبقري ، لم يتمكن من تكملة دراسته العليا لتدني سوء الحالة المادية التي اصابت عائلته ، ولهذه الاسباب دفعته هذه الظروف المادية المتدنية للعمل بعد ان انفصل عن عائلته ( والديه واخوته حيث انه كان الثالث في تسلسل ولادته ) ، وبعد هذه الظروف ووسط معاناته الاقتصادية نزح الى لندن و تزوج وهو في الثامنة عشر من عمره من فتاة اعجب بها فانجبت له صبي وفتاة ولرغبته وحبه للتمثيل وثقافته الشعرية والتي لم يضاهيه اي كاتب من كتاب عصره ، استطاع العمل مع الفرق المسرحية المشهورة في لندن .
كان شكسبير كاتبا اسطوريا متمكنا من لغته الانكليزية وقدرته على صياغة احداث مسرحياته والتي ابهرت العالم اجمع ، متاثرين باسلوبه والذي لم يباريه اي كاتب من كتاب عصره ، ولهذا اعتبر من اشهر الكتاب والمشاهير في الادب العالمي ، والمتتبع لاحداث مسرحياته سيجد انه متنبىء باحداث مستقبلية في معظم ما كتبه من النصوص المسرحية ، والمرسومة من عبقريته وكأنه كان يرسم ويخطط لاحداث مستقبلية توقع لاحداثها ان تتحقق ،وهذا ما تضمنته نصوصه المسرحية ولاسيما في مسرحية يوليوس قيصر ، لما فيها من حياكة للمؤامرات واحداث يتنافس شخوصها للاستحواذ على السلطة باغتال القيصر على يد كاسيوس ، وولده بالتبني بروتس والذي فاجأ يوليوس قيصر بطعنة في صدره اودت بحياته قائلا له قولته المشهورة : حتى انت يابروتس ؟؟؟؟ ومن ثم لفظ انفاسه الاخيرة ومات .
(هذه الاحداث تذكرنا باحداث تاريخنا السياسي في العراق مشابهة لمثل ما رسمه شكسبير في مسرحية يوليوس قيصر .
وقد عرضت هذه المسرحية في العراق واخرجها الاستاذ المرحوم المخرج العبقري جعفر السعدي لطلبة معهد الفنون الجميلة ، وكنت انا احد الممثلين فيها ، اضافة انني كنت انا واخي حافظ عارف ، والاخ عماد مهتم من منفذي الاضاءة فيها ، وقد كنا في وقتها متهيئين لاية لحظة استدعائنا من قبل السلطات انذاك لخطورة ما طرحته المسرحية مشابهة لاحداث تاريخنا السياسي ، انما الحمدالله مضت على خير وسلام ) .
وكذالك في مسرحية هاملت ، وما تضمنته من احداث الخيانة والتامر ، من قبل زوجة الملك والدة هاملت وعمه لتامرهما على قتل الملك والد هاملت ، الا ان الخيانة ظهرت وانكشفت خيوط تامرها للعيان من خلال استفزاز هاملت لعمه ولوالدته بعرض مسرحي مشابها لاحداث مقتل والده وعلى مراى منهم مما اثر الشكوك فيهم وعرضهم للادانة والهزيمة ومن مقاطعتهم لمتابعة العرض المسرحي ، وكذالك في مسرحية مكبث وهي لم تقل عن سابقاتها من الاهمية من الاحداث ، والتي ادت الى زعزعة الحالة النفسية لشخوص احداثها ومنهارين امام اللعنة التي لحقت بهم وعرضتهم لعذاب الضمير ومسائلة النفس على ما اقترفته اياديهم من التامر والخيانة والتي ادت بهم الى قتل الملك .
لتشابه الاحداث المرسومة في نصوصه المسرحية ، مع الاحداث الحقيقية والتي حدثت في واقعنا ، اي في عصور تاريخنا العربي والعالمي ، وبهذا انفرد بعبقريته والتي نالت استحسان نقاد عصره ومتابعي اعماله المسرحية ، مما شجع معظم المترجمين على ترجمة نصوصه الى العربية .
كان شكسبير يداعب ويلامس عاطفة المتلقي ويشدها لمتابعة الاحداث ومن دون ان يترك اثرا للنقلات السريعة والمتلاحقة لمشاهد نصوصه واحداثها من حيث الزمان والمكان ، كان يطرح وينسج افكاره ويجسدها عن طريق شخوصه وكانها شخصيات من حقيقة الواقع ، كانت لغة شخصياته لغة شاعرية ورومانسية بحيث تهز مشاعر الانسان وتجعله يتابع احداث ما يشاهده من الاحداث المعروضة امامه، اضافة الى ان جميع نصوصه تمنح للمخرجين رؤية فيها من الابداع والابتكار في عملية الاخراج ، وتمنحهم حرية الاختيار في الاساليب والمدارس التي تجسد افكار وشخصيات شكسبير في صور تتميز بالابداع وحرفية التجسيد على المسرح لافكاره وبشكل جمالي يبهر المتلقي ويحفزه على المتابعة لاحداث ما يعرض امامه .
لقد شاهدنا تجربة هذا الابداع في نص مسرحية يوليوس قيصر والتي اقدم على اخراجها المخرج المبدع والرائد من رواد حركتنا المسرحية الاستاذ المرحوم جعفر السعدي مستلهما رؤية جديدة في اسلوب اخراج هذا النص بحيث جعل جلوس الجمهور المتفرج اشبه ما يكون امام مسرح دائري والاحداث تدور امامه ،مكيفا جغرافية القاعة لهذا العرض المسرحي اضافة الى استغلال خشبة المسرح في عرض بعض المشاهد ، وقد عمل ايضا على استحداث خشبة لعرض بعض المشاهد المتبقية من الجهة المعاكسة للخشبة الاصلية واستغلال وجود منافذ القاعة لدخول وخروج الممثلين ، لقد نجح الفنان جعفر السعدي في تحريك ممثليه على المسرح تمخظ عن ابداعات خياله ليخدم من خلاله عرض مسرحيته والتي نالت وابل من التصفيق والاعجاب بهذا الاسلوب من قبل الجمهور المتفرج ولاسيما المثقفين منهم والصحفيين والمعنيين بشؤون المسرح .
اما مسرحية هاملت ، والتي اقدم على اخراجها الاستاذ المخرج والمبدع حميد محمد جواد ، مستغلا خشبة المسرح الاصلية مضيفا لها مساحة اضافية ممتدة من الخشبة باتجاه القاعة ومتصلة بالخشبة الاصلية لتستوعب مساحة الديكور المتميز والذي صممه الاستاذ حميد محمد جواد ليلعب لعبته الاخراجية على فضاء ومساحة هذه الاضافة بشكل بارع وباسلوب متاثرا بعرض مشابها للعروض السينمائية ، وقد كان لتصميم الديكور عاملا من عوامل نجاح العرض المسرحي ، اضافة الى تصميم الاضاءة من قبل الفنان المرحوم عبد الله حسن لهذا العرض المسرحي وبالوانها المعبرة ساعدت على تجسيد اجواء احداث العرض المسرحي ، واضاف شيئا جمالية لهذا العرض والتي ساهمت ايضا على منح العرض المسرحي عنصري التشويق والمتابعة لاحداث مسرحية هاملت والذي قام بتجسيد هذه الشخصية الاستاذ حميد محمد جواد بنفسه حيث جسد هذه الشخصية بحرفية تمثيله ومهارة ابداعية فيها من قوة التعبيرعن الحالة النفسية والتي كان يعاني منها هاملت ، اضافة الى اختيار الموسيقى التصويرية المعبرة من قبل المخرج نفسه ساهمت في نجاح العرض المسرحي .
يبقى هذا العبقري الخالد وليم جون شكسبير مؤثرا في اساليب الكتابة لنصوص معظم كتاب العالم وشعرائه ، ومنهم كتابنا العرب والذين اعجبوا بنصوصه ومتاثرين بها في نصوصهم المسرحية منهم ، امير الشعراء احمد شوقي في نص مجنون ليلى ، ومسرحية كليوباتره ، ومسرحية قمبيز ، وكذالك عبد الرحمن الشرقاوي ، والفريد فرج ، حيث بقي شكسبير المعين الذي لم ينضب لمعظم كتابنا من المهتمين في النصوص المسرحية الشعرية وملهما لهم من عبقريته لعروضهم المسرحية ونتاجاتهم الادبية لمرحلتنا الراهنة .
لقد كان وليم شكسبير كاتبا ومؤرخا لاهم احداث عصره ، وموثقا لسيرة حياة ملوك مرحلته التاريخية ، اضافة الى انه كان متاثرا ببعض الاساطير المعتمدة على السحر في شخصيات نصوصه ، كانت اجواء نصوصه المسرحية مليئة بدسائس المؤامرات والخيانة والقتل وسفك الدماء في تراجيدياته الماساوية ، وجمالية نصوصه الشعرية الرومانسية والتي تناولها في نصوصه المسرحية .
لقد ازداد اهتمام الكتاب من المسرحيين العالميين بنصوص مسرحياته اضافة الى اهتمام الشركات الانتاجية للافلام الروائية والتي ساهمت في انتاج معظم نصوصه منها :
اولا – هاملت
ثانيا – الملك لير
ثالثا – روميو وجوليت ----- والخ
لقد تميزت حياة شكسبير شيئا من الغموض في مرحلة من مراحل حياته ولاسيما في مرحلة انتقاله الى لندن وغيابه عن انظار المجتمع مما اثارت حوله الاقاويل والمبنية على بعض الاجتهادات المشكوك في امرها ، بانه عمل سايس للخيل في احد المواقع لعربات الخيل بغية الارتزاق ولهذا السبب توارى عن الانظار حرصا على سمعة عائلته ، والقسم الاخر يعلل سبب اختفائه بانه كان متخفيا خلف اسماء مستعارة لاسباب قد تكون اجتماعية او حرصا منه على حياته من بعض من نافسهم في كتابة اشهر نصوصه المسرحية .
انما يبقى شكسبير على طاولة الابداع والتالق والذي ابهر تاريخ لندن الثقافي بانتاجاته الادبية، حيث تشير بعض الدلائل والاوساط الاعلامية المؤكدة بانه اصبح مترفا اقتصاديا ومالكا لعقارات ورثها عن والده والذي اشتهر في حياته بانه كان تاجرا بسيطا من خلال بيعه لهذه القفازات اليدوية ، وهذا الرأي اتفق عليه من خلال اعتمادهم على السجلات المدنية والقانونية والذي اقترنت ولادته بعد شهرين من ولادة معاصره الكاتب كريستوفر مارلو في بلدته ستراتفورد ايون - افون ، انما تبقى اساليب كتابته لنصوصه الشعرية والادبية في لندن هي سبب ثرائه وتطور حالته الاقتصادية ، ففي سنة 1592 تغيرت حياته المادية واصبح من انجح رجال الاعمال تميزا وثراء ، لكونه بقي متواصلا في العمل مع فرقة ( اللورد حاجب الملك ) ممثلا وشريكا وكاتبا ، حيث عملت هذه الفرقة على انتاج اهم مسرحياته والتي نالت شهرة واسعة واصبحت متميزة بعروضها المسرحية ، لانها اختصت بعروض مسرحيات شكسبير فقط ، وهذا ما جعله متميزا عن بقية اقرانه من الكتاب والممثلين المسرحيين لبقائه مرتبطا بالعمل مع هذه الفرقة طيلة حياته الادبية ، والتي كانت السبب في ثرائه ماديا استنادا الى السجلات المالية ، وفي نهاية مطاف حياته ، وفي عام 1616 انتقل شكسبير الى مسقط راسه وكانه في هذه العودة اراد ان يتوارى عن انظار المجتمع وعن الدنيا بامتها ، وقد اختلفت الاراء في عام وفاته ، الا ان المحطة الاخيرة والتي توقف فيه قلمه عن الكتابة هو بعد وفاته في مسقط راسه ، بعد ان ترك ارثا ادبيا خلده مدى الحياة ومنها :
اولا – العاصفة
ثانيا – حلم في منتصف ليلة صيف
ثالثا – العاصفة
رابعا – يوليوس قيصر
خامسا- ماكبث
سادسا- هاملت
سابعا – الملك لير
ثامنا – روميو وجوليت ------ الخ
اضافة انه كان شغوفا بكتابة القصائد الشعرية حيث كتب ادونيس ، وفينوس ، واغتصاب لوكريس هذا مااكدته معظم المصادر الثقافية والادبية والمهتمة بادب شكسبير ، مؤكدة بانه كان قد كتب مسرحيات اضافية فاقت في شاعريتها واسلوب طرح احداثها عن بقية منافسيه من الكتاب والتي بلغت اكثر من 37 نصا مسرحيا منها الكوميديا والمأساة والتراجيديا والتاريخية والتي تناولت حياة الملوك وحاشيتهم .
حيث بقي وليم جون شكسبير وما زال عبقريا وفنانا لم يتكرر مثيله وعلى مدى تاريخ الادب المسرحي .