حينما يثيرك الاعجاب بشخص ما، لا يكفي الاعجاب وحده للتعبير عن اهمية هذا الشخص، بخصوصيته الذاتية في الحياة، وانما الاعجاب قد يبدأ بما يميزه عن بقية افراد المجتمع من صفات قيمة تحمل من مواهب الابداع والتالق، وسعيه من اجل تقديم ماهو الجديد في مسيرة حياته، وعلى هذا الاساس يتعامل الانسان مع الاعجاب واعطائه حق التقييم عما يتميز به عن الاخرين.
فالفنان اسامه حمادي كريم، هو نفسه الفنان اسامه السلطان، وهذه كنيته الفنية والتي عرف من خلالها فنانا دؤوبا وشاملا في (المسرح والتلفاز والسينما)، حيث تميز بجديته وحبه للمسرح، وانا لا اعني المسرح التقليدي، وانما كان يستهويه طرق ابواب كل ماهو جديد ويستهويه في الحداثة والتطوير في الاسلوب.
تعرفت عليه في احدى تمارينه المسرحية في منتدى المسرحيين والكائن في شارع الرشيد، هذا الفنان المتالق شاهدته وانا لم اكن اعرف عنه شيئا، ولم اسمع عن اسمه الا من خلال اللحظة التي فاجئته بزيارتي له برفقة ولدي فارس واطلاعي على اسلوبه في الاخراج، في كيفية رسم الحركة المسرحية واعطاء توجيهاته للممثلين، وشرحه تفاصيل مايروم تطبيقه من رؤياه التي كانت تداعب افكاره وتجسيد احاسيسه من خلال نص مسرحي عالمي يرسم من خلال شخوصه لوحات تشكيلية كانت مرسومة في ذهن هذا الشاب اسامه السلطان، وترجم معالم مسودتها الاولية على ارضية واقع المسرح، ومن ثم بدأ بتهذيبها تدريجيا، ومع مضي الايام اكتملت هذه اللوحة واصبحت لوحة رائعة مليئة بالاحاسيس والمشاعر الانسانية، لوحة تتحرك فيها اجساد حية بحركات مسرحية اثارت اعجابي وقد يكون هو هذا السبب الذي جعلني اتابع تمارينه اليومية مع ولدي فارس والذي كان متعاونا معه في اختيار وتصميم الموسيقى التصويرية، وبعد ان تعرفت عليه وعرفني من الاسم التمسني الاشراف على تدريبات الفرقة المسرحية مدة غيابه لقضاء بعض احتياجات واجبات اسرته مما يظطر الى السفر خارج بغداد واثناء غيابه كنت انوب عنه بالاشراف على تدريبات الفرقة المسرحية ومن بعدها علمت ان سبب انقطاعه عن التمارين وسفره خارج بغداد انه كان جندي مكلف بخدمة الاحتياط، عندها زاد اعجابي به وبكيفية تنسيقه مابين خدمة الاحتياط ومابين حبه والتزاماته للمسرح بحيث قررت ومع نفسي ان اتعاون مع هذا الفنان الشاب لاكمال عمله المسرحي.
ان الفنان المخرج اسامه السلطان هو احد خريجي معهد الفنون الجميلة ومن ثم اكمل دراسته في كلية الفنون الجميلة، هذا الفنان استطاع ان يشق جدار الصمت وان يضع نفسه امام الاضواء من خلال ما حصده من الجوائز كافضل مخرج في مسرحية افانين الصراخ.
وافضل سينوغرافيا عن مسرحية الامبراطورية المتحولة، اضافة انه استطاع ان يخطف درع الابداع من معهد الفنون الجميلة في بغداد عن افضل استاذ اخراج وتمثيل، وكذالك منحه الوسام الذهبي عن افضل مخرج متميز ومبدع من مجلة الحقيقة 2015 .
واخيرا نال شهادة الدكتوراة الفخرية من جامعة المواهب العلمية الكندية عن مجمل اعماله في المسرح والتلفزيون والسينما.
وهنا بادرته وعن طريق التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) بسؤال عن اهمية شهادة الدكتوراه والتي منحت له اسوة ببقية بعض الفنانين والتي يعتبرونها مقياس درجة علمية متميزة في مسيرتهم الفنية مستطلعا رايه وتعليقه عن هذه الشهادة فاجاب قائلا:
بالحقيقة هذه الشهادة هي شهادة نقديرية، تمنح من قبل جامعة المواهب العالمية الكندية دعما وتقديرا وتثمينا لجهود المتميزين من الفنانين والتي زادتني فخرا واعتزازا بها.
بداية حياته الفنية
لقد بدأ السلطان حياته الفنية باول عمل مسرحي له في مسرحية (انانيين الصراخ) وقد بدأت موهبته حينما كان طالبا في المرحلة الثانية في معهد الفنون الجميلة في بغداد حيث تنبأ معظم الاساتذة انذاك عن مستقبل باهر له في الاخراج، لمبادرته باعداد المجموعة الكاملة لجبران خليل جبران مسرحيا واخرجها انذاك، حيث شارك في اداء ادوارها كل من احمد جمعه وحاليا هو دكتور واستاذ في جامعة بغداد، وكذالك الفنان الموسيقي فواز السناطي، واخرين من طلبة معهد الفنون الجميلة انذاك. كان السلطان دائم التفائل بما سيحققه من الانجازات الفنية ومن خلال مسيرته وطموحاته التي لم يكن لها حدود، مبعث ذالك التفائل هو ايمانا منه بان العراق هو موطن الحضارات، يستمد طموحه من تاريخ اشور وبابل.
وقد تحقق له مااراد تحقيقه من انجازات والتي حصد من خلالها جائزة درع الابداع اثناء مشاركة عرضه المسرحي (حب في زمن الطاعون) في مهرجان المسرح العربي في القاهرة، هذه المسرحية كانت من تاليف عبد الخالق كريم واخراجه، وقد شارك في هذا العمل كل من الفنانه اميرة جواد والفنان طه المشهداني والفنان احمد صالح، انما ومع مزيد من الاسف لم يكن للاعلام دورا بارزا في تسليط الاضواء على مثل هذا الانجاز الفني الا بالقدر البسيط، وبالرغم من العروض المسرحية والتي شارك من خلالها في عدة مهرجانات مسرحية.
اضافة الى عروض بعض المبدعين العراقيين في حقل السينما والمسرح والفنون التشكيلية والموسيقية، الا انه صرح وعن طريق عدة منافذ اعلامية ان هذه الانشطة لم تلقى دعما اعلاميا، ولا حتى دعما معنويا من خلال الاعتراف بجهودهم الاستثنائية المبذولة من قبلهم، واضاف في تصريحه:
انا اعتقد ان اسباب هذا التعتيم الاعلامي يعود الى قلة النقاد المثقفين في الساحة الفنية في العراق ولا سيما في هذه المرحلة الظرفية بالذات التي نعيشها، ثم اضاف، ان هناك نفوس ضعيفة واصابع خفية تلعب من وراء الكواليس بخبث في محاولة منها على منع الاعلام من الترويج لهذه النجاحات الباهرة والتي لا يسرها.
لقد تاثر الفنان اسامة السلطان في مرحلته الدراسية بجميع الاساتذة الذين استمد منهم ثقافته واخذ من تجربتهم اسلوبا جديدا لمسيرته الفنية، حيث كان بتواضعه لا يتوانى عن ان يكتسب خبرة وتجربة وثقافة من ابسط الناس، ولهذه الصفة كانت حكمة لحياته.
ولهذا كانت حياته ومسيرته الفنية عبارة عن حصاد ثقافي واكتساب ثقافي لا حدودا لها، ولهذا كان السلطان عبارة عن حقول تجريبا في معظم اعماله اخرها كان (فصل من مكبث ولم يكتبه شكسبير) من تاليف مثال غازي واخراجه، حيث شارك في هذا العرض المسرحي كل من الفنانة اميرة جواد وهاشم الدفاعي واحسان هادي وفاتن ورانيا وزينة.
وقد اشاد بهذا العمل بعض المثقفين والنقاد، حيث كانت نتائجه حصوله على افضل من اشتغل لشكسبير من المركز العراقي للمسرح.
لقد كتب اسامه السلطان للمسرح العديد من المؤلفات منها:
- مسرحية الماكنة الادمية سنة 1996،
- مسرحية مونودراما نجاتيف سنة 1998
- مسرحية للاطفال (الاصدقاء الاربعة) سنة 1999، مسرحية كش الملك سنة 2000
- مسرحية للاطفال (رائحة الطين) سنة 2004
- مسرحية الملك ميت سنة 2008
- مسرحية لعبة سينمائية سنة 2009
- مسرحية مونودراما (زوم اوت) سنة 2012 .
اما عن نشاطه في التلفزيون العراقي فهي عديدة لا تحصى اهمها:
مسلسل السندباد الرحلة الثامنة، والبرنامج المنوع حلزونيات، وصفحة في كتاب، وبرنامج شمعدان، وبرنامج شريط انثى، وبرنامج كليكوت.
طفولة اسامه السلطان
اما عن طفولته واحلامه الوردية يحدثنا قائلا: كانت طفولتي مليئة باحلام وردية وهي عبارة عن امنيات جميلة كنت اتمنى تحقيقها ضمن تلك المرحلة من حياة طفولتي، ولاسيما في الستينيات، فانا من ولادة بغداد سنة 1969 و وكما هو معلوم لدى الجميع بان في هذه الفترة كان العراق يشهد نوعا من الاستقرار الامني والحياة البسيطة لمجتمعنا العراقي، فكانت المحبة منتشرة مابين عوائلنا وحياتنا البسيطة والتي يشوبها شيئا من السعادة الاسروية والاجتماعية، ومازلت اتذكر ذلك الزقاق الرفيع والضيق والذي كنا نسميه (الدربونة) وبيبان مساكننا المتقابلة الواحد للاخر لا يفصلها سوى مسافة قصيرة، حيث يحلو فيها شرب الشاي وتناول البقصم مع كل عصرية من عصريات تلك الايام الجميلة، طفولتي هي عبارة عن ماء جاري ينبع من عيون المحبة والتضامن الاسروي، وكانت امنياتنا ان نكون اشخاص لهم دورهم التقليدي متاثرين باساتذتنا في المرحلة الابتدائية، كنا في تلك المرحلة من حياتنا من رواد افلام الكاوبوي ومتاثرين بابطال اولئك النجوم من امثال روبرت متشم، وبرت لانكستر، وانطوني كوين، وكاري كوبر وعديدون من ابطال نجوم هوليود.
اما على نطاق الفنانين العرب، فكانت تستهويني مشاهدة الافلام العربية المصرية ومن خلال نجومها وحش الشاشة الفنان المرحوم فريد شوقي، والنجم اللامع زكي رستم، والفنان المتالق والمبدع بادوار الاجرام المرحوم محمود المليجي، كانت طفولتي عبارة عن حياة بلا قيود وتحت نطاق التربية السليمة والاحترام المتبادل، كان يؤنسني مشاهدة افلام الكارتون من بباي وبرنامج قرقوز والذي كان يقدمه الفنانان طارق الربيعي وانور حيران.
اضافة انه كان هناك من برامج المنوعات والقسم منها حازت على اعجاب المشاهدين مثل برنامج صندوق السعادة والذي كان يعده ويقدمه المتالق والمبدع المرحوم فخري الزبيدي اضافة الى التمثيليات الشعبية الاجتماعية الكوميدية مثل مسلسل عرضحالجي والذي كان من تاليف الفنان المرحوم رضا الشاطىء وتمثيله مشاركة مع الفنان المرحوم خليل الرفاعي وكذالك مسلسل ابو البلاوي، ومسلسل تحت موس الحلاق، اضافة الى الفرق المسرحية والتي كانت زاخرة بانتاجاتها الشعبية والعالمية، جميع هذه الاجواء الزاخرة بعطر الرياحين والاجواء السعيدة كنت اعيش بين اجوائها، حينما كنت استيقظ في الصباح وعلى اغنية ملك (صباح الخير يالوله) كان ينتابني نشوة فيها نكهة بغدادية اصيلة، حتى اغاني طفولتي هي فصل جميل من حكايات ذالك الزمن السعيد، فلو قارنته مع هذا الزمن، زمن الدمار والكوارث والماساة، زمن الحروب والقتال على لا شيء، زمن المفخخات والتكالب على كراسي الحكم، فهل هناك مقارنة تذكر؟؟
وعن احلامه الوردية في الفن قال:
لقد تحققت احلامي والحمد الله بعد ان انتقلت العدوى من خلال ابطال الافلام السينما العربية والعالمية، واصبح حب الفن ولا سيما التمثيل دماءا يسري في عروقي مما حدا بي الدخول في معهد الفنون الجميلة في بغداد، وتابعت دراستي بجدية ونشاط وبايمان عميق امنت بان رسالتي ستكون من خلال الفن (المسرح والتلفزيون والسينما).
والحمد الله انني الان قطفت ثمار جهدي واجتهادي وانا امارس نشاطي الفني ووظيفتي استاذ في معهد الفنون الجميلة في بغداد قسم الفنون السينمائية وقسم الفنون المسرحية، اضافة انني مشرف عام على جماعة مختبر الدراما، وعضوا في العديد من الجمعيات الثقافية والفنية منها عضو نقابة الفنانين العراقيين، وعضو نقابة المعلمين، وعضو في اتحاد الاذاعيين والتلفزيونيين-- الخ.
وعن تجربته في العروض الجسدية يقول:
انا من رايي ان من حق كل فنان ان يخوض اية تجربة جديدة ليكتشف موطىء قدميه من حيث مكانته وثقافته ومدى حبه لهذه المرحلة التجريبية التي هو فيها، فعروض الجسد كان حلما يستهويني في شبابي وكنت متحمسا لمثل هذه التجربة، الا انها تحتاج الى امكانيات جسدية خاصة تتميز بالمرونة اضافة الى طاقة جسدية تتحمل عرض مثل هذه العروض التي يصرف فيها الممثل طاقة كبيرة لاستثمار مرونة جسده لتنفيذ التعبيرات والايماءات التي من خلالها تتم عملية التوصيل للمتلقي، وان مثل هذه الاجواء لم تتوفر هنا منها، قاعة للرياضة الجسدية واساتذة لتمارين التكنك بدي، وغيرها من مستلزات والاحتياجات والتي تساعد على انتاج مثل هذه العروض الجسدية في المسرح.
عن تجربته في مسرح الطفل:
كان له عمل واحد من تاليفه واخراجه بعنوان (الاصدقاء الاربعة) كان يقدم بالمدارس الابتدائي.
عن رايه حول مسرح الارتجال يقول:
اولا الفكرة الجيدة، يعني يجب توفر الفكرة والممثل الذكي كما يقال، لان الارتجال هو تاليف اني، والمخرج هو المنسق والمهذب للعمل وصاحب النظرة الاخيرة والرؤيا النهائية لما سيقدم.
كلمة لا بد منها
عزيزي القارىء، كان هذا الريبورتاج الصحفي مع الفنان المسرحي المبدع والمتالق اسامه السلطان والذي اجريناه عن طريق التواصل الاجتماعي، ونحن بدورنا لا يسعنا الا ان نمد جسور التواصل مابيننا وعراقنا الحبيب وابنائه بكل اطيافه، ومع المثقفين والفنانين من الذين مازالوا يواصلون مسيرتهم وعطائهم الفني، وتسليط الاضواء على اهم الانشطة التي من شانها تقديم خدمة انسانية قيمة نابعة من هموم شعبنا الجريح ومعالجة همومه ومن خلال نظرة انسانية فيها من مشاعر المحبة والقيم الاخلاقية والتي تسموا الى تقديم خدمة انسانية تضامنية مع انساننا المعاصر في العراق الحبيب ومع شعوب العالم اجمع.
وهذه حقيقة اهداف صحيفتنا بانوراما ومن خلال توجيهات رئيس تحريرها الصحفية المتالقة السيدة وداد فرحان، باحتضان كل المواهب الوطنية العراقية، ونقل واقع حال ظرفها، ودعمها الدعم المعنوي من خلال صفحات صحيفتنا الغراء بانوراما.
ونحن بدورنا لا يسعنا الا ان نقدم خدماتنا لنقل الواقع الثقافي والفني لكل موهبة عراقية وعربية وعالمية ان كانت في المهجر او في الوطن الحبيب من اجل دعمها اعلاميا وتقديمها لقرائنا الاعزاء للتعريف بهم والتعرف عليهم--
ولكم منا اجمل التحيات.