التاليف والكتابة في المسرح
سالني الممثل المبدع سراب سعيد سلومي احد الممثلين والذين يعملون معي في مسرحية (المجنون والعقاب) عن كيفية الكتابة للمسرح، هل يكتب الكاتب المسرحي، في بادىء الامر القصة ومن ثم يدخل عليها الحوار؟
ام هل ان كتابة النص المسرحي يكتب بشكل مباشر؟
ام كيف تتم عملية الكتابة للمسرح؟
سؤال جرنا الحديث من خلاله على كيفية امتلاكي التجربة في الكتابة المسرحية، واسترجعت بذاكرتي وانا كنت اهيم في قراءة الروايات والمسرحيات العالمية، وكيف كنت احتك باساتذتي من كتاب الدراما في المسرح، ومدى تولعي بارتيادي صالات السينمات والتفرج على الافلام وملاحظة تسلسل احداث الفلم ومتابعتها، اضافة الى ارتيادي على معظم صالات العرض المسرحي ومتابعة العروض المسرحية والاكتساب منها ثقافة مكتسبة ومختزنة في الوقت ذاته، والاكتساب الثقافي منها التاريخي والادبي والسياسي والاجتماعي والاطلاع على تجربة الاخرين ممن سبقوني في هذا المجال، اضافة الى تجربتي المسرحية والتي زادتني خبرة في كيفية الكتابة للمسرح بعد الاطلاع على احدث المدارس واساليب وفنون الكتابة المسرحية، ثم تطرقت الى مالاهمية الثقافة النوعية والتي يجب على كاتب الدراما المسرحية ان يتمتع بها، وهذه الثقافة الذاتية والحياتية والميدانية، تؤهله ان يكتب وان يعبر عما يعانيه من معاناة ردود افعال انعكاسية من سوء احوال الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، وكذالك الثقافة الذاتية لكاتب النص المسرحي تلعب دورا مهما في ان يبدع في الكتابة المسرحية، ومن خلالها يستطيع اتباع الاساليب والمدارس الحديثة ليتخذها شكلا وقالبا ليصب المضمون في داخلها، لتخرج في تعبير مبدع يستطيع من خلالها المخرج ان يجسد مضمون العمل، وتساعده على الابداع واضفاء الرؤية الاخراجية لتجسيد مضمون النص وباسلوب تمكنه من تحقيق النجاح والتالق.
ولهذا، فان العناصر والتي يجب ان تتوفر في النص المسرحي والتي من شانها ان تساهم على تجسيد افكار كاتب النص، يجب ان تكون بشكل لا يمكن تجزئة الواحدة عن الاخرى، مالم تكن متوفرة جميعها لكي يستطيع الكاتب ان يجسد بشيىء من التكامل في الالمام لمكونات النص المسرحي، ولتمكين المخرج او المعني بالقيام على اخراج النص من تسهيل مهمته، من خلال وضوح الصورة الحقيقية للشكل والمضمون، ولهذا يجب علينا ان نتعرف على كاتب النص المسرحي، وعلى الصفاة التي يملكها والثقافة التي يتمتع بها والخبرة والتجربة والتي تؤهله بان يكون كاتبا جيدا، وهذا بالطبع لا يمكنه ان ياتي بنتيجة ايجابية في فنون كتابة النصوص المسرحية مالم يكن مطلعا على تجارب وثقافة الكتاب الذين سبقوه في الكتابة والاطلاع على اعمال عديدة ليكتسب حرفية الكتابة للمسرح، اضافة الى الظروف الزمانية والحياة الاقتصادية والسياسية، هي ايضا تلعب دورا في نضوج اعمال كتابة النصوص المسرحية وتاثير كل مرحلة من مراحل الحياة على معانات الكاتب والتي تتمخض عن ردود افعال المرحلة وتاثيراتها عليه، اضافة الى هذا، فان عوامل تطوير اساليب امكانيات المسرح من تقنيات واساليب الاخراج الحديثة، لها تاثيرات جانبية على مساعدة الكاتب المسرحي في عملية تحديد الشكل الفني واسلوب تاطير المضمون من خلال الاشكال التي يراها الكاتب انها مناسبة للمحافظة على تجسيد المضمون وبشكل متوازي بحيث لا تتغلب او تطغي الواحدة على الاخرى (المضمون والشكل) .
تاثيرات الحس والوعي الثقافي والنظرة الشاملة للحياة على كاتب الدراما يتحدد الكاتب المسرحي والدراما عموما في كيفية الكتابة، بموجب مايملكه من الحس والوعي الثقافي والنظرة الشاملة للحياة التي يعيشها المجتمع، كي يستطيع توظيب الخطاب والتي تحمله المسرحية من مضمون يساعد على شد انتباه المتلقي لكتابته ، وان يتخذ من الاساليب في تجسيد كتابته، وعن طريق شخصيات لها من سمات الواقع، ونظرته الساخرة والناقدة للمظاهر المدانة، محاولة منه في التغيير والتطوير، وله حرية الاختيار في كيفية طرح مضمون مايحمله من الافكار عن طريق شخصيات كوميدية او مأساوية او جدية، تتمخض عن تكامل نجاح العمل المسرحي، وعن طريق اتباع اسلوب من خلاله يتمكن من معالجة موضوعه الدرامي، وعليه يجب توظيب كتابته للنص المسرحي على:
اولا – ان يمتلك النص في بداية كتابته على العرض الاستهلالي لشخصيات المسرحية، ومنها يستدل المتلقي على الفترة الزمنية لوقوع احداث العمل، والتعرف على الشخصيات السلبية والايجابية والتي منها سيتكون الصراع الذي ينتج عن تفاعل هذه الشخصيات فيما بينها، لينتج عنها بناءا يكشف عن ثيمة العمل ، من خلالها يتعرف المتلقي على الفكرة الرئيسية للنص المسرحي.
ثانيا – يجب مراعاة في كتابة النص على رسم معالم الشخصيات متكاملة الابعاد و اذا ماعلمنا ان اختلاف هذه الشخصيات تاتي نتيجة اختلاف كل منها عن الاخرى ، وبموجب مايترتب عليها من مواصفات سيكولوجية والتي تتاثر من خلال الحالة الاجتماعية والثقافية والتي تؤثر على رسم معالم الشخصية، ولهذا فان لكل شخصية من شخصيات النص المسرحي، يجب ان تتصف بمعالم ثلاث، وكما طرحناها في بحوث سابقة ونؤكد عليها الان، لارتباطها ببحثنا هذا، وتشمل:
اولا – البعد الطبيعي: وهذا البعد يكشف عن معالم الشخصية من حيث التكوين الجسدي من العاهات والعوق التي تلازم الشخصية ليتمكن الممثل من تجسيدها وفق مامرسوم لها من الاحداث. ثانيا – البعد النفسي: وهذا ايضا يجب مراعاته والذي غالبا ما ينتج عن تاثيرات البعد الطبيعي على الحس النفسي وعلى المشاعر الداخلية للشخصية، اضافة الى البعد الاجتماعي، والذي يتناول من خلاله، الحالة الاجتماعية:
متزوج ام اعزب؟ غني ام فقير؟
مرموق اجتماعيا ام منبوذ؟
مثقف ام اميا؟
فهذه المؤثرات تاتي مرسومة وفق معالم الشخصية والتي يحاول المؤلف رسم معالمها، وتحريكها وفق ماتحمله من الافكار والمضامين الثقافية لكل منها ، كي تساهم في عملية البناء والصراع المتنامي مع بقية الشخصيات.
ثالثا – البعد الاجتماعي
ولهذا البعد تاثيراته الجانبية، وفي حالات معينة تاتي التاثيرات نتيجة ردود افعال هذه الشخصية من حالات المعايشة الرديئة والغير المتوافقة مع ظروف طموح الشخصية في الحياة، ومن المؤكد نلاحظ، ان هذا البعد له من التاثيرات المباشرة على البعد النفسي، وردود افعال انعكاسية تظهر من خلال تصرفات الشخصية وعلاقتها مع الشخصيات الاخرى لتتظافر هذه الشخصيات وعن طريق الحوار المحبوك حبكة واعية متقنة ومن خلال امكانية المؤلف المسرحي، والتي من شانها خلق صراع متنامي ينتج عنه خلق عنصري التشويق والشد، والتي تساعد المتلقي على متابعة احداث العمل المسرحي، هذا الحوار الذي اشرنا اليه ينتج من خلاله صراع الشخصيات، والذي يجب ان يخضع لايقاع البناء الذي يساعد على بناء الشخصية وامتلاكها لايقاع مبني على ردود افعال انعكاسية ذاتية تصدر من خلال حوار متماسك، يساعد على تناغم الحدث والمشاركة في خلق الحدث بشكل ليس فيه رتابة او ملل عند المتلقي، وبالطبع هذا لا ياتي الا من خلال الايقاع (التمبو) نتيجة حوار محبوك وجيدا ليساعد على بناء المشاهد وتطوير الاحداث ووصولا الى العقدة، ومن ثم الى الذروة، والتي تاتي في قمة بناء الاحداث، وانفجار الشخصيات بردود افعالها وافكارها لتصل في الاخير الىالذروة ومن ثم الحل، والتي تؤدي الى تهاوي الاحداث لتصل بنا الى النتيجة الحتمية والتي رسمها المؤلف والتي هي انهاية.
وتختلف نهايات كل نص بما هو مرسوم من قبل المؤلف، والتي لا تاتي متشابهة في جميع النصوص، وانما كل منها وما تحمله من المضمون والبناء ووصولا الى النهاية، اما ان تكون محزنة او مفرحة وسعيدة، وبهذا يمكن من خلال النهاية اما انتصار الخير على الشر، اي بنهاية سعيدة، او العكس، وتكون نهاية محزنة.
الاذاعة والتلفزيون والمسرح:
قد يتبادر الى ذهن القارىء ويسأل:
هل هناك وجه تشابه في الاذاعة والتلفزيون والمسرح في طرح الدراما؟
وما هو وجه الاختلاف؟
والجواب هنا، لا بد ان نتذكر ان اساليب الطرح وتجسيد الدراما يختلف باختلاف وسائل الطرح والتقنيات والتي منها يصلنا المضمون، اي الى المتلقي، وهذه الوسائل ومع اختلاف تراكيبها ومواصفاتها وامكانياتها الفنية والتي من خلالها يتم توظيف اسلوب كتابة الدراما وفق هذه الامكانيات والتقنيات الفنية (السمعية والمرئية) ولكل من هذه الروافد وقنوات التصريف لها خصوصية التوصيل، ولهذا يعمل كاتب الدراما على تكييف مؤلفاته الدرامية، وكل منها تختلف بالاسلوب والطرح ان كانت في الاذاعة او في التلفزيون او في المسرح، كي تصل بشكلها الفني وبجودة عالية في المضمون الى المتلقي ومنسجمة مع الامكانيات المتوفرة في الاذاعة والتي تختلف اختلافا كليا عما هو موجود في التلفزيون، بحيث ينفرد كل منهما بخصوصية ادواته وتقنياته الفنية لتوصيل وتجسيد مضمون وشكل الدراما لكل منهما.
اما في المسرح ،فتختلف الاساليب والمدارس التي قد ينتمي لها النص المسرحي، ويتكيف الكاتب في صياغة كتابته على ضوء التقنيات الفنية واسلوب طرحها في المسرح.
صحيح ان الدراما في الاذاعة والتلفزيون والمسرح، تتاثر بفعل عوامل الزمن والحالة السياسية والواقع المتدني للظروف الحياتية والسياسية والاقتصادية للمجتمع، انما تختلف في تجسيد مضمونها وطريقة توصيلها للمتلقي.
وصحيح ان هذه الظروف والتي ذكرناها انفا والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تنهل منها معانات المؤلف في فكرة ومضمون وفي بعض الاحيان فيها شيئا من الاحتراز وعدم الافصاح عن جوهر المضمون الا بشكل رمزي او تعبيري، وهنا تتجسد مدرسة الطرح، ويجب ان نعلم ان ظروف الحرب العالمية الاولى والثانية كانت لها تاثيرات ايضا على مسار اسلوب الطرح في الهيكلية الفنية للدراما في المسرح، واوجدت اساليب ابتكارية حددتها الظروف الاحترازية للمجتمعات والبلدان التي شملتها الحروب، مما ساعدت على ظهور مذاهب جديدة واساليب حديثة تخدم العرض المسرحي من حيث المضمون والشكل، وهذه الاساليب اختلفت وبموجب ما يحمله ويملكه الكاتب من رؤية الابداع في فنون الكتابة المسرحية ومن ثقافة ونظرة شمولية في اسلوب تحديد طرح الشكل والمضمون، ولهذا تعددت المدارس واخذت لها خصوصية الطرح، منها المدرسة الرمزية والتعبيرية والملحمية.
وتغيرت النصوص وبما تحمله من المضامين الفكرية والاهداف التي غيرت من معالم اسلوب الكتابة في الشكل والتي اطرت المضمون باساليب حديثة قد اثرت في مسيرة تطور الكثير من الكتاب المسرحيين في انتهاج مدارس لهم انتهجوها لتجسيد اعمالهم والتي لربما لاقت بعض الظروف الصعبة لتقبل طرحها من قبل المتلقي، الا ان اجتهادات الكثير من المخرجين، وابتكار العديد من وسائل التقنيات الفنية ، ساعدت على بروز هذه المدارس، وظهورها على الساحة الفنية، وكان الهدف من هذا التغيير محبة في توصيل المضمون باساليب وجدوا انها تحمل عوامل الابتكار والميل الى احداث تغيير في اساليب الطرح الكلاسيكي، الا ان المدرسة الواقعية ولا سيما في المجتمعات الفقيرة والمحدودة الثقافة، بقيت في مفاضلتها على مشاهدة الاعمال الواقعية والتي قد تكون منسجمة مع الواقع الذي يعيشونه، انما لا يعني هذا ان تطور اساليب وتنوع المدارس التي استساغها معظم المثقفين من رواد العروض المسرحية توقفت عن تقديم عروض مسرحياتها وبموجب ماتمليه عليهم هذه المدارس، ولهذا استطاع الكثير من الكتاب والمخرجين ان يتظافروا في تطوير الاساليب الحديثة في الكتابة والاخراج، فتمخضت هذه الحالة عن ظهور المسرح العبثي والامعقول في فرنسا، ومسرح التعليمي والملحمي في المانيا، والمسرح الرمزي ومسرح الفقير، واستطاعت العروض المسرحية تجاوز مرحلة التعامل مع المدارس الكلاسيكية الا بقدر ماتفرضه وتمليه عليه مؤلفات المسرح الانكليزي من نتاجات شكسبير وكرسوفر مارلو، والادب الفرنسي والذي اخذ له شكلا وحلة جديدة استساغها المتلقي من خلال اعمال البير كامو وجان بول سارتر، انما بقي مسرح مولير هو عنوان المسرح الفرنسي الكوميدي والساخر من بعض المظاهر المدانة والموجودة في المجتمع الفرنسي، وقد برزت مرحلة من مراحل تجلي المرحلة المعاصرة وتمخضها عن افرازات الواقع المعاصر، فاخذت كتابات كامو تبهر المجتمع المثقف، وعلى ضوء المستجدات لهذه المرحلة من مراحل مسيرة المسرح العالمي، ظهرت مدارس جديدة في النقد والسخرية ولاسيما الكاتب الانكليزي برنادشو، بحيث تجاوزت وبكل جراة المواضيع التقليدية وتناولت المواضيع ذات الصلة بهدف التغيير والتطوير، وبهذا نشات المدارس المختلفة الاتجاهات والاساليب، وجميعها تهدف الى ايجاد مساحة جديدة في طرح النصوص المسرحية المتطورة شكلا ومضمونا، وتغيير اساليب طرحها ايضا جائت نتيجة لتطوير التقنيات الحديثة في المسرح، والتي ساهمت في عملية الابتكار والتالق والنجاح.