سعيد شامايا و باسل شامايا
كوكبـان مضيئـان في مسيـرة الثقافـة السريانيـة
مسرحيـة -- الايكـا برونـي
عرضت من على مسرح منتدى القوش ولمدة ثلاثة ايام متتالية مسرحية (الايكا بروني) وبنجاح ساحق، وهذه المسرحية من تاليف الاستاذ سعيد شامايا واخراج الفنان المخرج باسل شامايا، وتمثيل نخبة مبدعة من مبدعي القوش ومنهم:
زيادخوشو
منال ابونا
صباح يلدكو
رائد ججو
عبير كيوركيس
زاهي خوشو
لورين سعيد
ادارة المسرح: لليان نوح
التاليف: سعيد شامايا
الاخراج: باسل شامايا
هذه النخبة المضيئة والمتالقة من فناني القوش الحبيبة، استطاعت ان تقف على خشبة المسرح وبالرغم من الظروف القاسية التي تمر بها قرانا (في سهل نينوى) من التهجير القسري، الا ان القوش ابت الا ان تواكب الحركة الادبية والفنية وباصرار، واستطاعت وبهذه الظروف القاسية ان تقدم عملا مسرحيا فيه من صور واقعية من واقع شعبنا المسيحي، وقصة حاكها في نص مسرحي الاديب والمؤلف الاستاذ سعيد شامايا، وجسد احداثها على خشبة المسرح في عرض شيق الفنان المخرج باسل شامايا.
وانا احيي هذه الروح الوثابة والتي تمخظ عنها هذا الوليد الفني المسرحي (الايكا بروني) هذه المسرحية باللغة السريانية، وباللهجة الالقوشية، هي بالحق ملحمة ماساوية جديدة متالقة، وبمؤازرة فناني القوش من الشابات والشباب والذين امنوا على ان المسرح وخشبته المقدسة، هو منبر ثقافة وتوعية وتحدي لكل المواقف والظروف الصعبة، فقد استطاع هؤلاء الفنانون المؤمنون بقضيتهم، ان يجسدوا هذا العمل من على خشبة المسرح، وان يجسدوا الافكار القيمة والنظرة الشاملة التي كانت من ايمان الاستاذ سعيد شاميا بها ونظرته للحياة المشرقة للانسان ومساندة قضيته اينما كان، انما يبقى الوطن من وجهة نظره هو الغالي والاغلى.
تبقى قدرة المخرج باسل شامايا ورؤيته الابداعية في الاخراج المسرحي، هي عنوان تالقه ونجاحه، منبعثا هذا من خلال ايمانه بان خشبة المسرح هي مراة عاكسة لقضايا الجماهير ومعاناتها، هذا المخرج والذي يملك اسلوبا في مسيرته الفنية جعلته متميزا بين اقرانه من المخرجين المسرحيين السريان، حيث جسد وبرؤية معاصرة ماارادت ان تجسده هذه المسرحية من ثيمة مبنية على مشكلة هذه المرحلة، الا وهي الهجرة والغربة عن الوطن.
ان سبب نجاح هذا العمل والاقبال الجماهيري على مشاهدة عروضه في القوش وحسب ماذكرته المصار الموثوقة، كونه يحمل بين جوانحه ماساة شعبنا من نسائه وعجائزه واطفاله وشيوخه وسفك دماء ابنائنا من خلال التفرقة الدينية والنعرات الطائفية والاضطهاد القومي مما دفعت ابنائنا للهجرة وترك الوطن، مخلفين ورائهم كل غالي ونفيس، وعلى ضوء هذا النجاح تقرر عرض هذه المسرحية في عينكاوه وعلى مسرح جمعية الثقافة الكلدانية.
اذن -- من هو سعيد شامايا؟
انه انسان يؤمن بالتغيير والتطوير وناشط في مناصرة حقوق الانسان، وله مواقف مشرفة يشهد له تاريخ مسيرته النضالية في العراق ضمن الاحقاب الماضية من تاريخ العراق العظيم.
نشأ هذا الاديب بين عائلة متواضعة القوشية منحته المحبة والرعاية التربوية الجيدة والقويمة والمبنية على المحبة الاسروية، والاعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية الانسانية والمنبثقة من عمق تاريخ القوش.
لقد كان وهو في ريعان الصبى الانصات الى حكايات الاباء والاجداد من سرد قصص ابطالهم وشجاعتهم ونضالهم ومواقفهم البطولية ضد الظلم والطغيان، هكذا نشأ وترعرع الاستاذ الاديب سعيد شامايا تلميذا مجتهدا متلهفا للثقافة السريانية ولغتها ومنذ صغره، من خلال احتكاكه بالمثقفين، ومن ثم اخذ على عاتقه مواصلة هذه المسيرة التي تمخضت عن انتاجات ادبية وقصصية ونصوص مسرحية، اضافة الى انشطته الثقافية في بغداد وبالتحديد نادي الاخاء الاهلي والتابع للسناطيين، ومن ثم نادي بابل الكلداني، والجمعية الثقافية للناطقين باللغة السريانية في بغداد.
ولد الاديب السرياني سعيد شامايا في القوش سنة 1929 ودرس في مدارسها الابتدائية، حيث كان في طفولته ذكيا وذو رؤية ثاقبة في رسم علاقاته الطلابية، ونشأ في تربية اسرة مسالمة وكريمة ومسامحة، وفي كبره استطاع هذا الاديب ان يبني له حضورا متميزا بين اقرانه من المفكرين والادباء السريان، كان شاعرا للاغنية السريانية، وسجل له الكثير من المطربات والمطربين في الاذاعة السريانية وتلفزيون التاميم في العراق، اضافة انه مؤلف مسرحيا سريانيا شهدت لها مسارح بغداد (المسرح الوطني، ومسرح بغداد).
تخرج سعيد شامايا من دار المعلمين الريفية في سنة 1948 م ومارس التعليم لحين تقاعده، الا ان طموحاته لم تستكين، انما بدأ بتشكيل فرقة مسرح شيرا وترأسها ورسم لها خطة ومنهاج عمل تالقت من خلالها عروضهم المسرحية.
نشاطاته الادبية
رئيس فرقة مسرح شيرا
عضو اتحاد ادباء العراق والعرب
سكرتير تحرير مجلة الكاتب السرياني
عرضت (22) مسرحية من مؤلفاته
القى عدة محاضرات في جمعية اشور ونادي بابل الكلداني في بغداد، وكذالك في قرقوش، واخرها في سدني بعد زيارته الاخيرة، حيث تكلم عن تجربته في المسرح والقصة وادب الاطفال.
اصداراته:
- اولا – هدية مقاتل (مجموعة قصص قصيرة، دار الشؤون الثقافية)
- ثانيا – الاوراق الميته (مجموعة قصص قصيرة، مكتب دار الطباعة الحديثة)
- ثالثا – الالام الشريفة (مجموعة قصص قصيرة، مكتب دار الطباعة الحديثة)
- رابعا – (تحت الطبع ) ثقافة الاطفال (ادب الاطفال)
- لقد اعطى سعيد شامايا الاولوية في مسيرة حياته ان يساند الانسان من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية والمساوات وحرية التعبير، ومن اجل هذا كله كان ملاحقا من قبل الانظمة السابقة، ومن جراء هذه الملاحقة صودرت امواله المنقولة والغير المنقولة، وكذالك استحوذوا على داره في بغداد، انما عادت اليه الحياة الطبيعية، بعد زوال اسباب معوقاتها.
فرقة مسرح شيرا
عن فرقة مسرح شيرا يقول الاستاذ سعيد شامايا: جائتنا فكرة تاسيس فرقة مسرحية تجسد ثقافتنا وحضارتنا، وبالتعاون مع اخوة من الخريجين الاكاديميين من الفنون الجميلة استطعنا تاسيس فرقة مسرحية باسم (فرقة مسرح شيرا) وقد اجيزت هذه الفرقة بعد عدة مداولات ومراجعات واجتماعات مع السيد مدير دائرة السينما والمسرح الاستاذ الاديب يوسف الصائغ ، والذي كانت تربطني واياه علاقات حزبية في السبعينيات ، وبعد تعاونه معنا في متابعة معاملة تاسيس الفرقة حصلت الموافقة ومنحت في وقتها اجازتين لفرقتين مسرحيتين، الاولى للفرقة الفلسطينية، والثانية لفرقة مسرح شيرا، حيث كان باكورة نشاطنا مهرجانا للطفولة ب ( اوبريت غنائي تمثيلي، بعنوان ميلاد شيرا، ابوها القمر وامها الشمس)، وكانت من تاليفي واخراج فريد عقراوي وتدريب واداء عادل دنو مع مجموعة اطفال كنيسة المرحوم الاب فيليب هيلايي، وبعدها انتخبت رئيسا للفرقة المذكورة.
المخرج باسل شامايا
كثيرة هي الافكار المطروحة ، وكثيرة هي الالام التي نعانيها من مشاهدة النازحين وهم يودعون بيوتهم ونتاثر بها ، كل هذه الصور تبعث فينا روح الاصرار على ان نكون اقوى مما عليه الحال ، والمشاعر الانسانية التي توخز ضمائرنا كان لها الاثر بان تجسد كل هذا ومن خلال فنوننا (التشكيلية والمسرحية) ومن خلال اقلام ادبائنا الذين يتحسسون الام شعبنا وهم يشاهدون الاظطهادات القاسية والتعذيب والتهجير القسري لابناء شعبنا في العراق وعلى الهويات مدفوعين من خلال العنصرية والنعرات الطائفية، من اجل هذا كله، اخذ ادبائنا رسم وتجسيد هذه الاعمال الطائشة والوحشية والتي لاتمت ضمائر اصحابها الى الاعراف ومفاهيم القيم الانسانية، مما جعلت الاقلام الشريفة ومنها الاديب الاستاذ سعيد شامايا ان يجسد هذه الالام في مسرحية ( الايكا بروني) ليقوم المخرج باسل شامايا باخراجها ويعالج المشاكل برؤية واضحة وسليمة مجسدا وباسلوب شيق وجميل الاحداث المتلاحقة ضمن البناء المتنامي للعمل المسرحي، صحيح انني لم اشاهد العمل، وانما ماتناقلته الصحف والمواقع الفنية والثقافية، اضافة الى انني احمل صورة جيدة عن الثنائي شامايا، جعلني ااكد على ملاحظات ماطرحته هذه المواقع، وتقييمهم للعرض المسرحي ونقل انطباعاتهم عنه وعن الفنانين الذي شاركوا في هذا العمل، ونحن بدورنا نبارك تلك الجهود والتي تكللت بنجاح العرض المسرحي.
(ان فكرة النص المسرحي تعتمد على رايين متناقضين، الاول يروم الهجرة والعيش في الغربة وترك الوطن، والاخر يحب البقاء في ارض الوطن وبالرغم من قساوة الحالة المتردية ومنها عدم استتاب الامن وتدهور الحياة الاقتصادية والنعرات الطائفية، الا ان الراي الاول يتغلب بالاغلبية على الراي الثاني، تاركين الوطن الى بيروت، ومن ثم الى امريكا، وبهذا انتصرت رغبة الام بالهجرة على راي الحفيد والجد، هذا الجد والذي يمثل تاريخ الاباء والاجداد، وفي المهجر تجابه العائلة من صعوبات التاقلم والتكيف على الاوضاع السائدة فيه، ولعدة اسباب اضافية، منها قلة فرص العمل كونهم لا يتقنون لغة المهجر، وصعوبة التعامل مع الحالة الاجتماعية الجديدة، كل هذا جعل من المهجر عالما غريبا مقارنة مع ماكانوا عليه في الوطن، مما دعت الابن الحفيد ان يترك المهجر وان يعود الى الوطن والعيش مع جده.
ويتبين من مضمون النص المسرحي، ان هناك صراعا طرحته المسرحية بين فكرتين متضادتين، ومن خلال شخوصها ونسج احداثها، استطاع المؤلف ان يطرح فكرته ورؤيته وبشكل مبسط باتجاه عائلة انقسمت براي افرادها الى قسمين، ومن هنا استفاد وعلى مااعتقد من تطوير هذا الانقسام بين افراد العائلة الى خلق صراع ساعد المتلقي على متابعة الاحداث من خلاله عنصري التشويق والشد، لقد خلق المؤلف هذا الصراع من خلال دفاع كل من الطرفين عن صحة رايه، ووصولا الى الذروة انصاع الابن الى ارادة والدته بالهجرة الى امريكا، والى هنا انتهى هذا الصراع الاول ، انما الاستاذ سعيد شامايا استطاع ان يخلق صراعا اخر ليصل بالاحداث الى صراعا متناميا اخر جديدا في المهجر وبهذا استطاع مرة ثانية ان يخلق عنصري التشويق والشد وجعل المتلقي بان يتابع وبشكل متواصل بقية احداث العرض المسرحي، عندما يعاني الابن من شدة وطأة الغربة التي يعيشه في المهجر ،وكان قراره الاخير ان يعود الى ارض الوطن ليستقبله جده باحضانه، وبهذا انتصرت ارادة الابن والجد ضد الهجرة، وقد زاد من تجسيد جمالية العرض قدرة المخرج الفنان باسل شامايا من سيطرته على ايقاع العمل وهذا مااكدته المصادر الفنية والثقافية والتي كانت في تماس مع العرض المسرحي، حيث اكدت بان المخرج الفنان باسل شامايا وبكل اقتدار استطاع ان يدير كفتي الميزان وان يوازن مابين رؤيته الاخراجية ومابين الحفاظ على فكرة النص المسرحي، حيث تمكن هذا المخرج المتالق ان يقود كادر العمل المسرحي الى نجاح ساحق استطاع من خلاله الاستحواذ على الجمهور المتلقي وعلى وسائل الاعلام المقروءة والسمعية والبصرية في عنكاوه ، مما شجع المسؤولين على نقل عروضهم هذه الى لبنان ، ومن ثم الى امريكا.
ان باسل شامايا ومنذ بداية حياته الفنية كان يملك من الشجاعة والطموح في اقتحام المجهول واكتساب الخبرة والثقافة والتجربة، ليضيفها الى مخزونه الثقافي، ليرتقي بفنه الى مصاف المخرجين الكبار من مخرجي المسرح السرياني في خوضه الكثير من الاعمال المسرحية في العراق .
باسل شامايا شاعرا
وممثلا ومخرجا مسرحيا
اضافة الى كونه مخرجا ناجحا ، لديه ملكة ثقافية في تنظيم القصائد والاشعار السريانية، واشهرها قصيدة (بشينا توما توماس) وقصيدة (انا ونواكي) هذه القصيدة كانت على شكل محاورة مابين جد وحفيده، والتي القاها بمحاورة جميلة مع الموهوب سنار ساهر عوديشو، وانا في اعتقادي ان تنظيمها جاء متاثرا من من مسرحية ( الايكا بروني) حيث يحاور حفيده بحوار جميل يثنيه عن عزيمته بالهجرة وترك الوطن، والقصيدة ياللغة السريانية وباللهجة الالقوشية والذي يقول فيها :
الجد -- الايكا عليما بشوقت بيتا وكل تخرون
بتخرايوثا بلوشت جهوا كون كون
ليبخ مشارت خايي خاتد لا عجبون
هشر بروني من الصاند اني زون
الحفيد -- ساوي شوقلي تاما حشن صوري طاوه
شوقلي دناشن شباخد دما وقطلا وكناوه
مشارن مبيرش بغريبوتا دلا خوشاوه
دطئينا زدوتا من يوماثا مليا قلاوه-- الخ
وهكذا تستمر المحاوره بشكل ملحمي ومأساوي تجسد من خلال ابياتها مأساة شعبنا صاحب الحضارة وتاريخ مشرف، وارض اغتصبت منه، مما اصبح ينظر الى الهجرة حبل نجاة، لقد تناول المخرج والشاعر باسل شامايا في قصائده كل اوجه الحياة الصعبة والماساوية ، وتالم لالامها متمخضا عن تجربة رائدة في الاشعار التي نظمها متاثرا بالمسرح الشعري، حيث تعد باكورة اعماله في المسرح الشعري ان حاول توسيعها وصياغتها صياغة مسرحية، ولربما يعد من الرواد في خوض مثل هذه التجربة في المسرح الشعري في الادب السرياني.
ان الفنان باسل شامايا لم يدع ظاهرة او مناسبة الا والهمته بابيات شعرية اما ان يرثي من خلالها المعنيين بالرثاء، او يفتخر بهم زهوا ، فهو رثا في كلمة الى الفنان المطرب المرحوم فؤاد سالم، وكذالك كلمات رثاء الى المحامي القدير عبد الرحيم اسحق قلو، وكذالك الى البطل المرحوم توما توماس قائلا بقصيدته:
بشينا توما دئيروخ اديو الالقوش ماثا
زوري ورابا ايني الاورخا مليا حشا وفصخواثا -- الخ
وهكذا يبقى الثتائي الاستاذ الاديب والشاعر سعيد شامايا علامة مضيئة في تاريخ حركة الادب والثقافة السريانية، وكذالك يبقى الفنان الاكاديمي باسل شامايا كوكبا وهاجا في مسيرة المسرح السرياني.