المدرسة الواقعية وكيفية نشاتها
وهذه المدرسة الطبيعية، بالطبع لم تلقى ترحابا ولا اعجابا من قبل المشاهدين لتخلفها عن الواقع الذي يعيشونه من تقدم تكنولوجي وثقافة راقية وحضارة لا تستوي ونظرة دعاة المدرسة الطبيعية، ولهذا حاول بعض الكتاب من اصحاب هذه المدرسة ان يتحولوا عن مذهبهم الطبيعي في اسلوب تناول نصوصهم بشيىء من الواقعية، حيث اخذوا بالتعامل مع الطبيعة بشيىء من الواقعية، باضفاء بعض التقنيات الفنية اثناء عرضها على المسرح فيها شيئا من جمالية خيال الانسان بعد ان يضفي عليها من جمالية الحالات الرومانسية والاجواء التي فيها تاثيرات تمخضت عن عادات وتقاليد بعض الطبقات الراقية المثقفة ونبذ الحالة الطبيعية والتي كان يمارسها معظم افراد الطبقات المتدنية ثقافية واجتماعية في الحياة الواقعية. ومن هنا برز كتاب عالميون دعوا الى المسرح الواقعي في نصوصهم الروائية والقصة القصيرة والنصوص المسرحية، انما لم يتجردوا في كتاباتهم عن الطبيعية الا بقدر ماكانوا يرون فيها انها محاكات لا زمت طبيعة الفرد والمجتمع وعبر مراحل حياته مع معالجة لمثل هذه الحالات بايجاد البدائل والمستمدة من الواقع الحياتي للفرد، وهكذا برزت المدرسة الواقعية وانتشرت بنصوصها التي عالجت العديد من المشاكل الاجتماعية والسياسية وانتقادات السلطات التنفيذية والاحتجاج على الاوضاع المتردية والمناهضة لخدمة الانسان والمجتمع، هذه المدرسة اختلفت جوهريا مع المدرسة الطبيعية بمدرستها والتي حاولت تقديم الواقع الحياتي ومن خلال العديد من المشاكل الاجتماعية الواقعية خضعت لمختبرات تجريبية علمية، حاول من خلالها انصار هذه المدرسة الواقعية في المسرح، ايجاد النظريات والمستمدة من المختبرات التجريبية وعلى ضوء الواقع الذي يعيشه الفرد ان كان في الكتابة او التمثيل او الاخراج المسرحي وبقية التقنيات الفنية والتي ساعدت على تجسيد الاحداث بعرض جمالي فني ساهمت هذه التقنيات (الاضاءة والديكور والملابس والموسيقى التصويرية) في خلق عنصري التشويق والشد لما يعرض من على خشبة المسرح، فتغير اسلوب التمثيل، وكذالك شمل هذا التغيير النصوص المسرحية ولا سيما في روسيا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا ومن خلال كتابها العظام والتي نالت كتابتهم شهرة عالمية واحدثت ثورة ادبية مع بداية القرن العشرين، سنتناولها في المستقبل انشاء الله.
أدبنا المسرحي واصداء نتاجاته
قد يستغرب العديد من المهتمين بالادب القصصي والمسرحي اننا في بعض الحالات حينما نتكلم عن تجاربنا ومسيرتنا الادبية العراقية والعربية ولا سيما في عصر الخمسينيات ومالحقها من الفترات الزمنية من مراحل تاريخنا الادبي، اننا نهمل تجربتنا وريادتنا في فن كتابة القصة القصيرة والادب المسرحي والشعر ولا نرجع بالاستشهاد بتجربتهم والتي اغنوا الساحة العراقية والعربية بروائعهم الادبية والفنية حيث انهم سبقونا تجربة وخبرة واحترافا في مسيرة فنية كان طابعها الابداع والابتكار والتالق، ونحن نعلم علم اليقين بان كتابنا وادبائنا ومخرجينا المسرحيين، هذا الرعيل من الاسماء التي ساهمت في تحريك عجلة الادب والفن، هؤلاء ليسوا بمسودة طبق الاصل لكتاب ومخرجين عالميون والذن تتلمذوا على ايديهم في الخارج اثناء زمالاتهم الدراسية وكما شاع عنهم بتهم (يتسوقون اعمالهم من الخارج ليطبقوها علينا) انما منهم المنظرين والمجددين استناروا من تجارب اساتذتهم في الخارج وجاؤوا ليكيفوها وفق ما ينسجم منها مع المرحلة التي يعيشها مجتمعنا ويتقبلها ليستمتعوا بها ويتاثروا بها، هؤلاء المبدعين من الادباء والفنانين العراقيين والعرب لهم انطباعاتهم ورؤياهم والتي قد لا تنسجم مع ماشاهدوه في الخارج، وانما حاولوا جاهدين استحداث مدارس واساليب جديدة نابعة من تجاربهم ونظرتهم الحياتية والتي تنسجم مع متطلبات المرحلة الظرفية التي يمر بها مجتمعنا وينسجم معها، وعليه قد تكون وجهة نظر كتابنا وادبائنا وفنانينا هي غير وجهة نظر الادباء في اوربا والعالم الغربي ولا سيما ادباء وفناني القرن التاسع عشر، ولا يمكن اعتبار الاطلاع على تجارب وثقافة الاخرين هي نفسها التي تصلح لتطبيقها في اقطارنا، وذالك لاختلاف المجتمع بكل ما يشمل حياته الاجتماعية والثقافية والسياسية وهنا تبرز عوامل المشاعر الانسانية والاحاسيس الذاتية من مجتمع يختلف عن المجتمع الاخر.
ولهذا مايرونه صحيحا في العالم الغربي الاوربي نراه لا يتناسب مع مجتمعنا ولا يتفق مع عاداتنا وتقاليد مجتمعنا، وعليه فليس الصحيح ان نطبق مانراه سائدا في المجتمع الاوربي قبل تاكدنا من صلاحية تطبيقه في مجتمعنا ليساهم في خدمة مسيرتنا وفي حل مشاكلنا الاجتماعية بالشكل الذي نراه مناسبا ان كان في الادب او في الفن، ومما يؤسف له ان معظم الباحثين حينما يتطرقون على تناول الثقافة الادبية والفنية يستشهدون بالكتاب العالميين ولا يستشهدون بتجارب كتابنا ومثقفينا، علما ان معضم نصوصهم تترجم الى اللغات العالمية لدراستها والاطلاع عليها، مع العلم قسما من مثقفينا لم يتتلمذوا على الدراسات الاوربية بقدر ماكانوا عصاميين في اكتساب ثقافتهم وتجاربهم، ونحن بحقيقة واقع ثقافتنا نملك من الخبرة والتجارب ما يضاهي تجارب الاخرين، لا بل لدينا الريادة في خوض التجارب الثقافية والفنية ومن الاسماء الكثيرة التي رزت في مسيرتنا الادبية والفنية ان كانت على نطاق القطري او العربي من امثال:
- الكتاب عادل كاظم
- طه سالم
- علي حسن البياتي
- محي الدين زنكنه
- ادمون صبري
- عبد الوهاب الدايني،
ومن الشعراء الزهاوي والرصافي والجواهري-- الخ.
وانما نحن من المهملين لتناول سيرة مثقفينا وادبائنا وعدم التطرق الى تجاربهم ودعمهم الدعم المعنوي، والاتجاه الى دعم الكتاب العالميين من اوربا والعالم اجمع وكأن كتاباتهم وبحوثهم هي كتب سماوية انزلت من السماء وحرم على كتابنا ومثقفينا من التطرق الى افضل ماكتبوا، وكثيرة هي الاسماء العراقية والعربية تطرقوا في كتاباتهم الى العديد من المذاهب والمدارس الحديثة معالجين من خلالها مشاكلنا في قصص وحكايات ابهرت كتاب العالم اجمع، وكذلك من الفنانين والادباء العرب والعراقيين تناولوا العديد من انتاجاتهم الادبية والفنية بمدارس منها الطبيعية والواقعية والرمزية والرومانسية، وهذا لم ياتي من فراغ وانما من تاثرهم بالظروف المرحلية التي اوحت اليهم كوسائل واسلوب يتخذونه منهجا في ترجمة انتاجاتهم الادبية والفنية لما لهم من رؤية معاصرة في الابداع والابتكار.ومما يؤسف له من ان النقاد والباحثين العراقيين كانوا او العرب منهم، حينما يتطرقون الى دراسة الادب والفن بكل مذاهبه، لا يبحثون في مسيرتنا الادبية والفنية للاطلاع على تجارب كتابنا، وانما يحلو لهم دائما بالرجوع الى الاسماء العالمية وكأنهم انبياء مرسلين من العليين وكأن هم فقط ينفردون في اساليب الحداثة والتطوير. نحن لسنا ضد الاطلاع على تجارب المبدعين من الاسماء العالمية، ولكن لكل تجربة لها ظرفها الخاص ضمن مرحلة من مراحل اي مجتمع تتاثر بتاثيرات الحالة الثقافية والتطور الاجتماعي والتقدم العلمي وونحن كمجتمع عربي ومشهود له بالمسيرة الثقافية والحضارية، فهل من المنطق والتاريخ يشهد على مسيرتنا اللغوية والثقافية والادبية، لم يبرز من بينهم من استحدث مدرسة وا مذهب ابتكر من خلاله اساليب فيها من الحداثة والتطوير؟ وتاريخنا حافل باحداث وحكايات ووقائع واسماء لمثقفين عرب استأثر يحكاياتهم وماثرهم العديد من كتاب العالم وكيفوها وفق مايخدم مرحلتهم الظرفية من ظروف حالتهم الاجتماعية، وهكذا خرجت للعالم وكأنها تجربة رائدة جديدة خاصة بهم، علما ان معظم التاثيرات التي اثرت في المسيرة الثقافية ما جائت الا من خلال الظروف السياسية والاقتصادية والمشابهة لظروفنا والتي حلت بنا وعشناها. والعجب في تسائلنا!
ان طيلة تلك المرحلة، الم يبرز من كتابنا ومثقفينا ما يجعلنا ان نفتخر باساليبهم ومدارسهم ليكونوا عبرة لنا وللعالم كي نفتخر بهم ونتكلم عنهم كما نحن نتكلم عن ستانسلافسكي وبرنادشو وتشيخوف وموليير وبرشت وغيرهم من اصحابي التجارب الرائدة في اوطانهم؟
عجيب غريب.. امور قضية!.