العديد من الامثال تذكر ضمن مرحلة من مراحل حياة المجتمعات والتي قد تجسد حالة من مراحل تلك الفترة، مما دعا البعض من المنكتين ان ينكتون بنوادرهم الكوميدية الساخرة من اجل معالجة بعض الظواهر المدانة لتلك المرحلة من الزمن ، او من التي تتضمن بعض النصائح والعبر غرضها فائدة المجتمع، وانا شخصيا مع هذه الامثال لكون البعض منها فيها من المضامين الحقيقية والجوهرية لكونها تعبر عن بعض الانفس الركيكة المضمون والتي لا يهمها الا القشر الخارجي من البيضة الناصعة البياض، وانما لا يهمها ما في داخلها من صلاحية الطعام او فسادها، فالبيض الفاسد يطوف فوق الماء او يغطس وتغطس معه كبريائه، فمثل هؤلاء يتخذون لاسمائهم كنيات تتقدم اسمائهم اعتقادا منهم ستعلي من شانهم ومن مضمون افكارهم وثقافتهم الركيكة، انما بالحقيقة ماهي الا طبول جوفاء لا يسمع منها الا الطنين، والمؤيدين لمثل هؤلاء هم اشبه بهم، لا يحملون شيئا من حرية الراي وانما ينطبق عليهم المثل على حس الطبل خفن يارجليه .
انا اسوق هذا المثل ايمانا مني بالمثل القائل الاناء ينضح بما فيه.
وهناك العديد من الاواني من دعاة الثقافة وهي منهم براء يتمشدقون بجوازات سفرهم والتي لا اعلم من اين ابتاعوها واكتسبوها ، انما اعود واكرر قائلا :
بان الاناء ينضح بما فيه، وهذا مايتضح من كتاباتهم والتي تدل عن جهل مطبق لا يعرفون راسهم من اقدامهم ، فانا اقول ليس العيب بالانسان ان يعترف بجهله وانما العيب في انه يبقى جاهلا .
انا اسوق هذا المثل على الذين يتابطون الكتب السميكة الصفحات سعة مضمونها اكثر مما يستوعبها حامليها، ويحملون من الحقائب ماتثقل اكتافهم فقط لكونها تكمل شخصيتهم الوهمية ويعتبرونها جزءا من مكملات اكسسواراتهم الشخصية .
في احد الايام جمعتني جلسة مع احد الصحفيين في بغداد كان قد دعانا اليها احد هواة التمثيل طمعا منه في اجراء تحقيق صحفي عن شخصيته الوهمية ، هذا الهاوي يحب التمثيل ويعشقه انما لا يفهم شيئا عنه، انه يهوى المسرح ولكنه لم يقف يوما على خشبته، هذا الواحد كان ضحية احد الدجالين والمحتالين ممن يدعون الفن، اي من المخرجين الفاشلين، كان قد صرح له بانه سيجعل منه نجما مشهورا سيسحق من خلاله عالم الفن ، وهذا المسكين سحره وعد هذا الفنان الفاشل والدجال ، فاصبح لدى هذا المسكين امال وهمية اعتقادا منه انه سيكون في المستقبل نجما لامعا في التمثيل، انما فقط يحتاج الى من سيسلط عليه الاضواء ، ولهذا سعى على عمل وليمة عشاء في نادي اجتماعي لهذا الصحفي املا منه تحقيقا صحفيا لموهبته الوهمية، وانا مع مزيد من الاسف دعيت من قبل هذا الصحفي ومن دون علم بنواياه، فقط انني مدعو على وليمة فيها مايؤنس ويطرب، وعند حضورنا للنادي واستقبالنا من قبل هذه الضحية علمت بانه هو صاحب الدعوة، فبينما كنت جالسا قبالة هذا الصحفي وانا افكر بما تعنيه الصحافة بواجباتها الاعلامية، وبنزاهة الصحفي الذي يجب ان يحترم مهنته المقدسة ، متسائلا مع نفسي، هل ان الصحافة تخدع الانسان وتستغل سذاجته ليعلق الامال عليها لتحقيق احلامه البنفسجية في انه يوما ما سيكون نجما لامعا؟.
وانا في غمرة هذا التفكير بصديقي الصحفي والذي لم يكن يفارق حقيبته والتي فيما بعد علمت انها كانت تحتوي على نعليه ( شحاطات ) وبيجامته ومنشفة احتفظ بها احتياطيا لربما يحتاجها في لحظة من لحظات سكره حينما يكون نزيل فندق من الفنادق الرخيصة السعر ليبات فيها ليلته، فساقني الفضول وبادرته متسائلا وباللهجة الشعبية البغدادية قائلا له: اكلك شكو بهل جنطة مالك؟
فابتسم وضحك ضحكة قوية انتبه اليها جميع من كان جالسا من الاعضاء والزوار في النادي قائلا:
جنطة سفر،
فاجبته وانا في حالة من العجب، جنطة سفر؟
اني تصورت بيها شي من الاوراق والاقلام اللي تستعين بيها بكتاباتك الصحفية او حتى تكتب بعض المقالات الطارئة والي تستحظرها بوقت فراغك، يعني هاي الجنطة مابيها شي متعلق ابمهنتك الصحفية!!! .
وهنا لم يكن منه الا وان اطلق ضحكة قوية وسحب الحقيبة من على الكرسي وقال:
باوع وشوف هاي الجنطه وين راح ايكون مكانها (ومن ثم رماها تحت اقدامه على الارض بعد ان خلع حذائه وانا مندهشا من تصرفه هذه اللاعقلانية وسالته) هاي شدسوي عيب الناس دتباوع،
فاجابني قائلا:
وعلويش هل عيب هاي جنطة سفر اشيلها وياي وين ما اروح، وفوك هذا دتشوف شلون خال رجليا فوكاها واني مرتاح،
فسالته: طيب وشراح دكله الهاذا الهاوي اذا شافك بهل حال؟؟
فاجابني وهو غارقا في الضحك:
المهم عنده هو القلم اللي راح يكتب عنه ويقدمه للقراء على انه فنان شامل ومحترف وراح ايكون اله شان في عالم السينما والمسرح ، فسالته بالسينما والمسرح مره وحدة!!!
وهنا لم اتمالك نفسي من الضحك من هذا اللوكي كيف يستغل مهنة الصحافة ، ويعلي من شان هذا الهاوي الى النجومية ، شانه في هذا شان العديد من الذين علت اسمائهم وشهاداتهم الوهمية في عالم الفن ( السينما والمسرح) !!!!!
منو يشهدلك؟
فيقول ذيلي
من المؤسف ان البعض من المحسوبين على الفن لا يعلو شانهم ضمن مسيرة وهمية وساذجة ان لم يكن هناك من يدعمهم ويعلي من شانهم ضمن دعاية وهمية لا وجود لها ، ففي جلسة من جلسات الاستراحة وانا اتابع برامج العراقية حضيت بمشاهدة مقابلة تلفزيونية كانت مع احد دعاة الفن والفن منه براء، كان يمدح ويشيد بشخص لا ناقة له ولاجمل، ويعلي من شانه الفني، ومدعما بشهادة بعض الذين من حوله، في تصريحات معججة بالطحين والغبار مما يجعلنا في حيرة السؤال،
هل هذا الذي يتكلمون عنه هو بالحق والحقيقة فنانا شاملا؟
فياتيني الجواب ومن خلال مثل دارج يقولون فيه : منو يشهدلك؟
فيجيبهم ذيلي .
شتان مابين الامس واليوم
كلنا يعلم ان الفن عالم مقدس ، يحمل رسالة حب وتفاني، ينقلها الفنان الصادق بمشاعره واحاسيسه من على خشبة المسرح ، وهو يؤمن كل الايمان بما يطرحه من الافكار والمضامين الفكرية لخدمة المجتمع ، وتجسيد حالة من حالات التعبير الجمالي من اجل التغيير والتطوير .
فان واجب الفنان الملتزم ان كان كاتبا او مخرجا او ممثلا ان يكون صادقا بفنه، وان لم يكن صادقا مع نفسه في نقل الوقائع والاحداث بعد معالجتها لرؤية واضحة ، فكيف سيكون صادقا مع الجماهير والمؤمنة بموهبته وبعطائه؟
لان الفنان الصادق لا يساوم على التزاماته في خدمة الجماهير وعن طريق المسرح .
فالمصداقية هي الاساس في نجاح كل فنان، ومايحمله من القيم الفكرية والجمالية، فهي الاساس في هذا التجسيد والذي يعبر عن تالقه وابداعه ، فهو يؤمن كل الايمان بما يطرحه، وهكذا كان شان فنانوا المسرح في السيتينات والسبعينات وحتى الثمانينيات، لقد ساهم هذا الرعيل من الرواد بطرح ماكانوا يؤمنون به، لم يكن همهم الا الانسان وقضيته العادلة مع الحياة، هذا الانسان الذي ولد في ظلمات هذا العالم وقد سخر الله له ما لذ وطاب من اجل ان يعتاش عليه ، انما ظهور طبقة من المستغلين والمستفيدين حرموا العديد من ابناء شعبنا من حقوقهم المشروعة في الحياة، فكان فنانونا لهم بالمرصاد ومن خلال اعمالهم الفنية واطروحاتهم الواقعية بكل نقاء وصفاء يعالجون المشاكل من خلال طرح البدائل وهم ينتقدون ويسخرون من الذين يحملون شعارات كاذبة هزازة لعواطف الجماهير ويخدعونهم من خلالها، مما اغضب هؤلاء المستفيدين والذين ماهم الا اذناب رجال الانظمة المجحفة، هؤلاء الاذناب كانوا كالاخطبوط يتحركون ويميلون باتجاه المحافظة والدفاع عن مصالح اسيادهم مما جعلهم يعادون الاقلام الحرة ويحاربون الفنانين الصادقين مع انفسهم ويحاربون الجماهير المتعطشين الى مشاهدة اعمالهم وما يطرحونه من على خشبة المسرح، فبرز العديد من الكتاب اصحابي العقول النيرة والاقلام الحرة والذين نشروا ومن خلال اعمالهم افكارا لخدمة الجماهير والدعوة الى التعبئة السياسية والى التغيير الى واقع يسود فيه المساوات والعدالة الاجتماعية، هؤلاء الكتاب طرحوا افكارا عالجوا من خلالها مشاكل الجماهير بطرح البدائل وتعبئة افكارهم تعبئة وطنية متحدين السجون والمعتقلات والموت.
كتاب الدراما العراقية ممن كان لهم باع في مسيرة المسرح العراقي من امثال ادمون صبري وعادل كاظم وطه سالم وقاسم محمد وعبد الوهاب الدايني والعديد ممن خدموا مسيرة الفن والدراما العراقية، والى جانبهم برز العديد من المخرجين الرواد والذين كان لهم الفضل في اكتشاف كتابنا ودعمهم على مواصلة الكتابة هؤلاء المخرجين كانوا يملكون رؤية ثاقبة في تفسير نصوص الكتاب وتجسيد افكارهم باخراج فيه من جمالية الابداع والتكنيك الفني من امثال ابراهيم جلال وسامي عبد الحميد وجاسم العبودي وجعفر السعدي وجعفر علي وبهنام ميخائيل وقاسم محمد والعديد من مخرجينا الرواد والذين كانت افكارهم تتطابق مع افكار كتاب الدراما العراقية ولهذا شرعوا بطرح اشكال يساعد على تجسيد المضمون بشكل فني فيه من الق الابداع والابتكار الفني والتي شهدت لهم الساحات المهرجانية للمسرح العراقي والعربي في معظم المحافل الفنية--
فشتان مابين ماكان ومابين الان .