قصـي البصـري - من اهـم رواد الاوبريـت الغنـائي
مبدعـا ومتألقـا في مسيرتـه الفنيـة
انا ممنون لبونونا
ابو نونا وحلوة عيونه
ابونونه حبيبي
وهو حظي ونصيبي
حلو وطوله خيزراني
ومانسيته ولا نساني
هو لو هل وجاني
انا ممنون لبو نونه
تبقى البصرة، تلك المدينة الجميلة بشطها الجميل، وبمعالم شناشيلها التراثية، وروعة سيابها الذي ينتصب تمثاله في الجهة التي تقابل كورنيش شط العرب. لقد اشتهرت البصرة، بمعالم جمالها التراثي، وشطها الذي يحمل فوق مراكبها اجمل ذكريات وقصص الحب، وكما وصفها الفنان الرائد المرحوم (رضا علي) مركب هوانا من البصرة جانا، وجايب حبيب الروح ومر واجانا.
الفنان قصي البصري (ابو نونه) ترعرع ونشأ في محلة الصبخة الكبيرة، بين اهلها الطيبين، وهذه النشأة الاجتماعية والجميلة والمليئة حبا روحيا اصبحت الان ذكريات جميلة يستأنس بها في المهجر وبذكرياته الجميلة مع اصدقاء مسيرة حياته الاجتماعية منهم: محيسن ابو الصمون، وفرجة ام الكيمر والذي وصفها قصي البصري في احد لقائاته، بان فرجة بمنتهى الجمال، فهي كانت تبيع الكيمر، وهي اجمل من الكيمر ومن ثم يضحك.
كان هذا الفنان يقضي معظم طفولته في العديد من البساتين مع اصدقاء طفولته، ويتلقون الترحيب من اصحابي البساتين التي يحلون ضيوفا عليها.
ولد هذا الفنان في البصرة الحبيبة، سنة 1943 م، حيث بدأ مسيرته الفنية منذ نعومة اظفاره وهو يتطلع الى مستقبل باهرا مليئا بالشهرة لما كان عليه من الحب للفن وهو يتابع الافلام السينمائية العالمية والعربية، ولقد تجسد ذالك من خلال تقليده لمعظم الفنانين والذين يشاهد افلامهم، مما حدا باخيه الفنان الرائد المخرج توفيق البصري ان يشاركه في مسرحية الاقدار، ومن هنا لمع اسمه كطفل موهوب في فن التمثيل ابهر الرواد من الممثلين، لقد كان في صغره يتغنى بأغنية الطفولة مهرولا في شوارع واحياء البصرة وبصوته الطفولي يغني:
(غزالة غزلوكي، وبالشط دعبلوكي).
لقد دخل هذا الشاب الهاوي للتمثيل معهد الفنون الجميلة، وتعلم من خلال اساتذته الرواد، وقدم العديد من المشاهد الصفية وابدع من خلالها مما اعجب اساتذته وتنبؤو له مستقبلا زاهرا في حياته الفنية، لقد تعلم كيف يحلل الشخصية ويوجد ابعادها، وتتلمذ على ايدي استاذه فن تربية الصوت والالقاء، واطلع على احدث الوسائل الاخراجية وعن طريق اعمال اساتذته في المعهد من امثال ابراهيم جلال وجعفر السعدي وحامد الاطرقجي، واكتسب خبرة في اللياقة البدنية (التكنك بدي) اي الرياضة الجسدية من خلال الاستاذ المرحوم ناجي الراوي، لقد تخرج الفنان قصي البصري من معهد الفنون الجميلة وفي راسه تدور انواع المشاريع الفنية والتي خطط لتحقيقها في مدينته البصرة. تبقى البصرة تلك المدينة الجميلة بشطها الجميل، وبمعالم شناشيلها التراثية، حيث اشتهرت بمعالم جمالها التراثي، وشطها الذي يحكي عن ذكريات اشهر الشخصيات التي اشتهرت بالادب والفن، وشط العرب الذي بدد سكون امواجه باصوات الصيادين الغنائية وهم يرمون بشباكهم، وحناجرهم تصدح باصواتهم الخليجية، وباغاني مليئة بايقاعات ذات خصوصية في كيفية النقر على الخشبة الايقاعية والتي لها خصوصية الخليج وفنونه الموسيقية، وحينما تذكر البصرة تذكر شطها الجميل والذي يحمل من الذكريات الجميلة لابنائها من الادباء والشعراء المبدعين والمتمثل برمزهم الادبي الشاعر المجدد بدر شاكر السياب، وفنانيها المبدعين محمد وهيب والمرحوم حميد الحساني ونصير عودة وقصي البصري اضافة الى المطربين والملحنين المشهورين من ابناء البصرة الحبيبة. ان شناشيل البصرة تشهد على حضورها التراثي وتاريخها العريق، انها رحم للعديد من الشعراء والفنانين، ومنهم الفنان قصي البصري.
لقد اصابت امواج الخليج وشط العرب بهجرته من البصرة الى خارج العراق بالسكون والكابة لهجرته هذه، وهدأت اصوات محركات مراكبها وبواخرها، وبكت خشبة المسارح على ذكرى من كان يعتليها لينشد نشيد السلام والمحبة، لقد كان قصي البصري رسالة بصراوية يحمل من خلالها القيم الانسانية والمحبة والسلام، وما زالت شخصيته هي هي وهو في المهجر، يحمل نفس القيم من المحبة والانسانية التي تتمخض دائما وابدا عن محبته لاخوته ولابناء وطنه من الادباء والفنانين العراقيين، ولا سيما من ابناء البصرة، لوجود علاقة متينة تربطهم ومن خلال خشبة المسرح والذي شهد على مسيرته الفنية وحضوره الفني في المحافل الثقافية والفنية، لقد شكى شطي دجلة والفرات، من حد القرنة وحتى شط العرب، من هدوء الايقاعات البصراوية، وموسيقاها الشجية.
ان هذا الفنان البصراوي والذي يحمل طيبة اهله وذويه من البصراويين، ترك ثراء من فنون كادت ان تندثر لولاه، لما ذكرها التاريخ على انها جزء من تراثنا ومسيرتنا الفنية، لقد اعاد الحياة لنموذج مسرحي كاد التاريخ ان ينساه وهو نوع من انواع المسرح الغنائي (فن الاوبريت) والذي عاد واحياه هذا الفنان المبدع والاصيل والذي اغنى فنه بالموسيقى والايقاع الجميل، لقد غنى الاغنية والتي مازالت متعلقة باذهان البصراويين والعراقيين عموما، وبعض الفنانين خصوصا من امثال الهام المدفعي، الا وهي اغنية لبو نونا، لقد امتلئت البصرة وشواطئها بانين الفراق وهي تشكوا فراقه وهجرته عن اهله واصدقائه، لقد اشتاقت لصوته الجميل، وهي تشكو فراغ صوته الجميل، وتوقف مسيرته الفنية في البصرة والمفعمة بالجمال والابداع، جميع البصراويين يتسائلون عن اسباب هجرته، والاجوبة معلومة من قبلهم وعلى السنتهم، واسبابها مالقيه من الاظطهاد والتعذيب في سجون ومعتقلات نكرة السلمان.
لقد تغنى البصري وهو في المهجر، في احلامه وذكرياته، اغانيه واستانس لها، وهو يعيش مع ذكريات مسرحياته، وعواصف تصفيق الجمهور في اذنيه، ودموع الحنين تترقرق من بين مقلتيه، لقد تعاطف معه المهجر وواساه من كثرة ماقاساه من الحنين الى الوطن، والذي فيه انطلقت ابداعاته من اوبريت بيادر الخير واوبريت المطرقة، والتي تضمنتا مضمونا وفكرا قيما، وفنا من خلال احداثها وروعة موسيقاها والحانها، والتي تراقصت مع الحانها العذبة رياح الخليج طربا وانسام لياليها المعطرة بعطر محبة اهلها الاصلاء والذين دعموا المسيرة الفنية والتي يشكون الان فراغها منذ هجرة هذا المبدع الاصيل الفنان الرائد قصي البصري. لقد شهدت البصرة على ولادته بين اجواء بيئته سنة 1943، وترعرع بصباه على محبة ذويه واهاليه، وتفتحت اذهانه ومحبته للفنون وعاش مع مسيرة روادها ولا سيما شقيقه المسرحي الرائد توفيق البرصري، حيث شهدت مسيرته اول عمل له مسرحية الاقدار عام 1949. لقد حفلت مسيرته باعمال عديدة منها مسرحية عروس للمزاد عام 1958، وفي العام نفسه ساهم بتاسيس مسرحا خاصا واخرج اوبريت بيادر والذي جسد شعار (الارض لمن يزرعها) وشعار (من لايزرع ارضه لا يستحقها)، هذا الاوبريت كان تجربة رائدة في تاريخ المسرح الغنائي في العراق، حيث عرض عام 1969 وهو من تاليف ياسين النصير ومن اشعار علي العضب – والموسيقى من الحان الفنان حميد البصري، واخراج قصي البصري، حيث شاركت باغانيه الفنانه سيتا هاكوبيان، تتضمن حكاية احداث هذا الاوبريت صراع المزارعين مع الاقطاعيين الذي يستغلون جهدهم ويضغطون عليهم بقساوة العيش والحرمان في الريف البصري، فاظطرتهم هذه القساوة والظلم الى الهجرة للمدينة والابتعاد عن الريف والزراعة.
كان للهجرة تاثيراتها على الاقتصاد الوطني سلبا، لقد جسد البصري في هذا الاوبريت هموم ومعاناة الفلاحين من خلال لوحات راقصة والحان حزينة شجية تثير عواطف المتلقي وتسلط الاضواء على ظلم الاقطاع، والغربة التي يعانيها الفلاحين من خلال هجرتهم الى المدينة وهم يبحثون عن لقمة العيش والتي لا يجدونها، انما نهايتها تنتهي بانتصار ارادة الخير وبعودة المزارعين الى المزارع والحقول بانتصار ارادة الخير على الظلم، لقد نجح هذا الاوبريت بعروضه والتي دامت اسابيع، مكللا هذه العروض بالنجاح مما جعله يلبي دعوة بغداد بان يقدم عرضا لاوبريت جديد يماثله بالجودة والابداع، فما كان منه الا وان صاغ فكرة اوبريته الجديد من عقيدة انسانية ومن افكاره القيمه التي وهب حياته من اجلها ودعا الحذو بها ومن خلال جميع اعماله المسرحية، فجاء هذا الاوبريت الجديد (المطرقة) والذي عرض في بغداد من على قاعة الخلد في كرادة مريم، عام 1970، والذي كتب نصه شعرا المبدع علي العضب ومن الحان الملحن المبدع طالب غالي، واخرجه الفنان قصي البصري، وقد تم عرضه في 5/ 1/ 1970 بمناسبة عيد العمال العالمي في بغداد، وقد كان لعرض هذا الاوبريت وقعا خاصا على احاسيس ومشاعر الجمهور االمشاهد، من خلال تجسيد واقع الطبقة العمالية وحرمانها من حقوقها والتضحيات التي قدمتها هذه الطبقة من خلال مسيرتها النضالية.
لقد تطرق الاوبريت الى واقع عمال الميناء حيث تناول مشاكلهم مع السلطة، وصراعهم مع المتنفذين في السلطة لانتزاع حقوقهم المهضومة، فالاوبريت كان عبارة عن ملحمة تحمل من القيم والافكار الانسانية والصراع ضد الظلم وجور السلطة، وزج المعارضين من العمال في سجونهم، والذين ذاقوا اشد التعذيب فيها، هؤلاء العمال البواسل، وقفوا وقفة شجاعة، سجلها التاريخ باحرف مشع من خلال اضراباتهم ومواقفهم البطولية، هذا الاوبريت يحمل بين دايلوجاته افكارا تقدمية عمالية، من بطولة المطرب المرحوم فؤاد سالم، وشاركه في البطولة اضافة الى الاخراج الفنان قصي البصري.
هذا الاوبريت وكما كان واضحا معاناة البصري الحياتية في سجون تلك الانظمة والتي مر بها العراق، لقد اعتقل قصي البصري في سجون نكرة السلمان، وعانى من قساوة وظلم المشرفين على هذا السجن ولمدة سنتين، قاسى مالاقاه من اشد التعذيب وقساوة تعليمات تلك السلطة بحقه وبحق جميع المساجين السياسيين ولا سيما العمال منهم، اضافة الى سجنه في نكرة السلمان اعتقلته السلطان مرة اخرى في سجن بعقوبة، وهذا السجن لم يخلو من المسؤولين الطيبين والذي كانوا ينفذون تعليمات السلطة انذاك، الا انهم يمتلكون طيبة قلب بمعاملتهم للمساجين بحيث كانوا يعاملونهم بمودة ويلبون بعض احتياجاتهم من الماكل والمشرب.
لقد قاسى قصي البصري ايضا شتى انواع التعذيب من بعض جلاوزة النظام ممن كانوا يحملون في قلوبهم الكره والبغضاء للمساجين ومنهم لهذا الفنان الرائد.
لقد قدمت مدينة البصرة عدة اوبريتات بحيث اصبحت المحافظة التي اشتهرت بالريادة لمثل هذا النوع من انواع الفنون المسرحية، باستثناء اوبريت اخرجه الفنان القدير الاستاذ محسن العزاوي، والاخر اخرجه خالد الدوري.
لقد قدمت محافظة البصرة (22) اوبريت ومن ضمنها (تسع اوبريتات) للفنان قصي البصري، واوبريت الكوفية الحمراء والذي عرض من على مسارح عمان، وبعد هذه المرحلة من مسيرته الفنية، شارك في مهرجان المسرح العمالي للمنطقة الجنوبية في مسرحية (المؤسسة الوطنية للجنون) للكاتب سميح القاسم، وحصل على الجائزة الاولى في المهرجان.
في تلك المرحلة لمسيرته الفنية، وبعد تقديمه لعدة عروض مسرحية ناجحة، استطاع في زيارته الى بغداد وبرفقة زملائه من الفنانين ان يحصلوا على موافقة مسرح الفني الحديث لتسمية فرقتهم في البصرة بالاسم نفسه، واصبحت الفرقة انذاك فرعا للفرع الرئيسي في بغداد، ولنجاح مسيرة هذه الفرقة، توالت الاعمال المسرحية وعلى التوالي، فجائت مسرحية الحواجز من تاليف الفنان مهدي السماوي والتي قام باخراجها، ومسرحية العروسة بهية والمعدة عن عمل مصري بعنوان امين وبهية، قدمت هذه المسرحية على مسرح محافظة البصرة والتي نالت استحسان الجمهور والصحافة والمعنيين بشؤون المسرح، وهذا النجاح الباهر لهذه المسرحية، شجعهم على انتقال عروضهم الى بغداد، حيث احتضن هذا العمل الفنان الكبير المرحوم يوسف العاني ، وقد كتب عنه في حينه في احدى الصحف المحلية مبديا اعجابه بالعمل.
لقد انيطت لهذا الفنان عدة مناصب ومسؤوليات اهمها مشرف فني في النشاط المدرسي لتربية البصرة عام 1967، ومشرف فني لفرقة عمال البصرة عام 1984، ومشرف فني لفرقة الاذاعة والتلفزيون في البصرة عام 1968، وهو احد مؤسسي فرقة البصرة للفن الحديث عام 1968.
لقد نال قصي البصري عدة جوائز تكريمية لاعماله في مشاركاته الوطنية في داخل العراق وخارجه، حيث شارك بعروضه المسرحية في عمان وتونس والمانيا وموسكو وبولونيا.
لقد شارك في المسرحيات التالية والتي عرضت في البصرة منها: عطيل سنة 1961، ومسرحية اوديب سنة 1962، ومسرحية القاعدة والاستثناء لبرشت سنة 1965، ومسرحية مكبث لشكسبير عام 1965، اضافة الى مشاركاته في العديد من المسرحيات والتي عرضت في بغداد منها قطر الندى، ومسرحية السنافر سنة 1993، ومسرحية السوق سنة 1993، ومسرحية بوق مرزوق سنة 1994- الخ.
بعد دخوله معهد الفنون الجميلة، اكتسب من اساتذته الرواد ثقافة اكاديمية اهلته لخوض عدة تجارب لعروض مسرحية منها: اغنية التم لتشيخوف سنة 1969، مع حافظ البصري وقدمت على قاعة مسرح التربية، واخرج مسرحية مركب بلا صياد، وهي من النصوص العالمية للكاتب اليخاندرو كاسونا، وكذلك في الاخراج مسرحية ماساة اورشليم، ومسرحية افكار صبيانية، ومسرحية بنادق في القنيطرة من اعداد عبد الاله عبد القادر وتمثيل فلاح هاشم ونصير عودة وقصي البصري، ومسرحية المدينة المفقودة تاليف قاسم حول وتمثيل نخبة من فناني البصرة.
يبقى هذا الفنان خالدا في اذهاننا، ومبدعا في مسيرته، ورائدا من رواد الاوبريتات العراقية والعربية، ونحن مازلنا نتغنى والى الان باغنيته الجميلة (انا ممنون لابو نونه) هذه الاغنية والتي لا يمكن نسيانها من قبل الجمهور، اضافة الى اغنية (مانصفك حسافة وحيف، خشابة اخذنا الكيف). تحياتنا لمسيرته ولفنه ولريادته الفنية في المسرح العراقي والبصري خصوصا.