بداية الارتجال في المسرح العربي
تذكر المصادر التوثيقية والمعتمدة، بان الارتجال للمسرح العربي، بدأ في بيروت عام 2008 من قبل المخرج اللبناني لوسيان بورجلي في اعمال اخرجت على مسارح بيروت وعمان، ولا اعلم لماذا تناست هذه المصادر عن وجود مسرح مرتجل في العراق، في المرحلة التاريخية الماضية والتي اشتهر فيها الفنان العراقي والكوميدي المبدع لقلق زاده وغيره ممن عاصروه من الفنانين العراقيين الرواد في تلك الفترة من تاريخ الحركة المسرحية في العراق، حيث كان الفنان الرائد لقلق زاده يعتمد على تجسيد وطرح المعاناة الاجتماعية وقتذاك بشكل كوميدي مبتكرا حوارا ارتجاليا في عروضه، يسخر من خلالها على الحالة المتدنية لواقع حال المجتمع العراقي، من بعض العادات والتقاليد البالية والتي لا تخدم المجتمع العراقي في وقتها، كل ذلك يتم ومن دون وجود نصوص مهيأة لعروضه يعتمدها في التمثيل، وكان في بعض الاحيان يرتجل الغناء بدايلوجات منلوجية، يسخر من خلالها من الاوضاع السائدة انذاك والتي لم تكن ترتقي للمستوى المطلوب، كان يستخدم دايلوجات ذات ايقاع راقص وموسيقى ذات نكهة خاصة لاجواء عروضه المسرحية الارتجالية والتي كان يعرضها من على المسارح الليلية في المنتديات والملاهي الليلية والمقاهي الشعبية، فمثل هذا الاعتماد على ذات الممثل في ارتجال الحوار، الم يكن بذرة لاتبثاق مسرح الارتجال في العراق؟ حيث كان يصاحب هذا الارتجال، الايقاع والموسيقى الشعبية، وعلى ضوء هذا الايقاع يبدأ الارتجال، حينما كان الارتجال وقت ذاك في ( اللحن وفي الشعر والغناء والحوار والمنلوجات في الاداء). وكما تناولت في بحوثي السابقة منشورة على صفحات اعداد صحيفتنا الغراء بانوراما عن ظاهرة الارتجال عند العرب ولا سيما في سوق عكاظ، حيث وكما يعلم الجميع ان في هذا السوق يجتمعون الشعراء متبارين بارتجالاتهم ومتنافسين فيما بينهم بقصائد شعرية فورية الالقاء (كمثل ماموجود في الشعر الشعبي والمطارحات الشعرية للشعراء فيما بينهم) معتمدين في ذالك على خلفياتهم الثقافية والملكة الغنية لمفردات اللغة العربية.
ستانسلافسكي والارتجال
في الاحقاب الزمنية القريبة والمعاصرة، عمل بعض المخرجين ومن اصحاب التنظيرات والتجارب المختبرية، على تدريب الممثلين في مختبراتهم التدريبية، وتقوية مهاراتهم اللغوية ومنهم ستانسلافسكي، وكما ذكرنا انفا في بداية هذا البحث، حتى اصبح الممثلين ونتيجة لهذه التدريبات يملكون من الجرأة والخبرة ومهارة في الاداء والارتجال الذاتي، حيث مثل هذه التمارين من شأنها خلق التلقائية في الارتجال وخلق الحوار عند الممثل، والاستغناء عن النصوص المؤلفة.
وقد لا يستحسن الكثير من المعنيين في المسرح ولا سيما في المسرح العربي على دعم وتشجيع المسرح الارتجالي او العمل الجماعي ان جاز التعبير على مثل هذه الاعمال الابتكارية ،ولاسباب اهمها:
اولا – اهمال دور الكاتب المسرحي وتهميش دوره.
ثانيا – اضافة في بعض الاحيان يعمل هذا المسرح على اهمال دور المخرج الفعال، لياخذ بزمام الاخراج الممثلين انفسهم على المسرح وبموجب ارتجالاتهم المسرحية، انما مثل هذه الاعمال لاقت ترحابا واستحسانا من قبل بعض الفرق المسرحية، لكونها تحمل سمات الابداع والمعتمدة على استمرار التدريب في الحركة والارتجال، وساعدت على تنمية الكثير من مواهب وقدرات الممثلين المتدربين على مثل هذا الاسلوب، حيث ان هذه الظاهرة لمسرح الارتجال بدأت بالظهور في يداية القرن العشرين وكما ذكرنا، ولكنها ليست بعروض جديدة علينا، لكوننا كنا نملك مثل هذه التجربة او لنقل مشابهة لها في الطرح، وقد تختلف في الاسلوب، وكما شرحت هذا انفا عن وجود الحكواتي، ومثل هذه التجارب ايضا كان معمولا بها في المسرح الجوال عند الرومان، وكذالك في المسرح المصري ظهرت بوادر مثل هذا المسرح الارتجالي في الاربعينيات من الزمن الماضي، في المسرحيات التي كانت تقدم ومعتمدا فيها الممثل على الملقن والذي كان يختفي في الكبوشة، او ماوراء الكواليس ليقوم بمهام تلقين الممثلين، انما في بعض الاحيان حينما كان الممثل ينسى حواره، ولم يكن يجد الاسعاف على استذكار الحوار او على سماع الحوار من قبل الملقن، فلهذا كان يضطر للارتجال والتاليف الذاتي، حيث كان يستسيغه معظم الممثلين لسهولته، وفي الوقت نفسه يلعب بأحاسيس الجمهور مباشرة، وبالطبع هذا يتبع سرعة بديهية الممثل وقدرته على الارتجال بحوار لا يبتعد من خلاله على الخط الرئيسي للفكرة المطروحة، وانما محاولة من الممثل لدعم المشاهد بحوار ذات طابع حيوي واحاسيس تدغدغ مشاعر واحاسيس الجمهور المتلقي، وقد استساغ الجمهور مثل هذا الاسلوب في الطرح، وكذالك عمل بعض الفنانين على دعم مثل هذه الحركة والمعتمدة على اسلوب فيه شيئا من الحداثة والتطوير انما لم يلقى الدعم والتشجيع من قبل بعض المؤلفين المسرحيين وكذالك القسم من المخرجين لم تعجبه هذه الظاهرة لمسرح الارتجال.
وقد يتسائل بعض الاخوة من القراء، لماذا استرسلت في شرح تلك المواضيع الانفة الذكر في الابتكار والصامت والرياضة المسرحية، وتربية الجسد، والتمارين على الابتكار والارتجال؟
فانا اجيبه، لانها هي الاساس في تدريب الممثل في المسرح الارتجالي.