حين كان المالكي رئيساً للوزراء، وبشكل خاص في دورته الثانية، كان يهدد من ينتقده، أو "يتآمر!" عليه، بفتح ملفات الفساد والإرهاب ضده. حصل هذا مع أسامة النجيفي وصالح المطلك وعشرات من الجماعات العاملة في جبهة الأحزاب الإسلامية السياسية السنية المعارضة والمشاركة في الحكم وكذلك في جبهة الأحزاب الإسلامية الشيعية، بمن فيهمل أعضاء في حزبه وتحالفه الوطني. وكان في تهديده يؤكد بأنه يحتفظ بملفات فساد وإرهاب لهؤلاء الناس لو نشرت ستقيم الأرض ولا تقعدها. وكان من بين المتهمين طارق الهاشمي ورافع العيساوي، وربما أياد علاوي وإبراهيم الجعفري وغيرهما.
كانت هذه التهديدات إما بالونات اختبار، وإما حقائق على الأرض، لا استغرب من وجودها لانتشار الفساد المالي والإداري على نطاق وساع جداً في أوساط النخب السياسية والعسكرية العليا والحاكمة، وقيادات الأحزاب السياسية الإسلامية والقومية، وفي القضاء، وفي صفوف جمهرة واسعة من المقاولين والمضاربين بالعقار والبنوك الخاصة والمصادرين لدور وقصور حكومية منذ فترة الحكم البعثي المجرم.
وكان المفروض عند حصول مثل هذا التهديد إلى أسماع رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى ورئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية والمدعي العام العراقي أن يتوجهوا بطلبٍ رسميٍ إلى رئيس الوزراء نوري المالكي بتسليمهم الملفات المذكورة لتفعيلها وتقديم الفاسدين إلى القضاء. وحين لا يمارس القضاء واجبه، فهو يشارك مع صاحب التهديد في التجاوز على الدستور والقوانين العراقية.
كما إن المفوضية العليا للنزاهة سكتت أيضاً عن تهديدات رئيس الوزراء بالاعتقال والاتهام بالفساد والمشاركة بالإرهاب، ولم تطالب رئيس الوزراء السابق بتسلم ملفات التهم بالفساد والإرهاب، كما لم يبادر رئيس الوزراء السابق بتسليمها طواعية ومباشرة.
وبذلك يكون هؤلاء جميعاً قد ارتكبوا مخالفات دستورية وضد القوانين المرعية بالعراق، إضافة إلى احتمال كون الكثير أو القليل من السياسيين والعسكريين والقطاع الخاص، مشارك بكل تلك الدناءات. حين أدى حيدر العبادي القسم القانوني أمام رئيس الجمهورية الجديد كرئيس للوزراء، أكد بأنه سيعمل على خمس مسائل مركزية، إضافة إلى كل المهمات التي يفترض أن يؤديها رئيس الوزراء على وفق الدستور العراقي وهي:
- شن الحرب ضد الإرهاب وتحرير الأرض العراقية المحتلة من عصابات داعش المجرمة واستعادة الشرعية في العراق؛
- البدء بالتنمية الوطنية وتحسين الخدمات العامة وخاصة الكهرباء والماء والصحة والتعليم والنقل ...الخ؛
ولم يتم تحقيق أي من هذه المسائل الخمس المركبة بالكثير من المهمات الأخرى، سوى البدء بتحقيق نجاحات مهمة على الأرض في المعارك مع داعش وبدعم من القوات الجوية للتحالف الدولي والبيشمركة والمتطوعين، وهو مكسب كبير حقاً، إضافة إلى بعض المسائل غير الجوهرية. ثم التزم من جديد، وبعد بدء الحراك الشعبي وتأييد قوى المرجعية الشيعية للدولة المدنية ومحاربة الفساد وتقديم الفاسدين إلى القضاء وتطهير القضاء.
فما السبب في عدم مطالبة حيدر العبادي بالحصول على ملفات الفساد الرسمية الموجودة لدى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي؟
ما هو السبب عدم تقديم نوري المالكي ومسؤولين آخرين إلى القضاء العراقي وهم كانوا على رأس حكومة ساد فيها الفساد والنهب للنفط الخام وموارده المالية في العراق، ومنه إقليم كردستان العراق والمحافظات، وسقط جزء من العراق تحت الاحتلال الداعشي أثناء حكم المالكي؟
الشارع العراقي يطرح التساؤلات المنطقية التالية: ** هل يخشى العبادي رئيس حزبه نوري المالكي ورئيس تحالفه الوطني إبراهيم الجعفري، أم يخشى إيران المؤيدة لهذن الشخصين والكثير من المسؤولين والقادة الشيعة والمسؤولين الكبار في المليشيات الشيعية المسلحة؟ وهناك من هم متورطون مع السعودية وتركيا وقطر بنفس الاتجاه؟ وهل يخشى العبادي وجود ملف له ضمن الفاسدين مالياً حين تسلم المناصب التالية:
منذ العام 2003. تسلم منصب وزير الاتصالات في الحكومة الانتقالية التي ترأسها أياد علاوي 2004-2005، ثم نائبا في البرلمان العراقي في العام 2005. ترأس لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية في البرلمان عام 2005.
واللجنة المالية في البرلمان عام 2010، وواجه صراعات سياسية عديدة بخصوص موازنة البلد المالية لعام 2013، ثم رئيساً لمجلس الوزراء الاتحادي في آب/أغسطس 2014؟
والسؤال الأخير هو: هل جاء حيدر العبادي على أساس توزيع الأدوار بين القوى الإسلامية السياسية، رغم الصراعات المحتدمة في ما بينه على مراكز السلطة والنفوذ والمال، لحين عبور المرحلة الخطرة التي كرسها نوري المالكي، ليعود الوضع الطائفي والمحاصصة الطائفية والأثنية على ما هو عليه سابقاً وحالياً، رغم دعوته الخجولة لتشكيل حكومة تكنوقراطية دون تغيير في طبيعة الدولة الطائفية والأثنية؟
إن هذه الأسئلة أوجهها إلى السيد رئيس الوزراء وهي ليست اتهامات ولا من بنت أفكاري، بل تدور في رؤوس الملايين من البشر العراقي في الداخل والخارج، ولا شك في أنها تدور في بال رئيس الوزراء ذاته، إذ في مقدوره الإجابة عنها. لا أريد أن أتنبأ بواحد أو أكثر من هذه الأجوبة، بل أترك له وللقارئات والقراء التفكير بها والإجابة عنها لكي يعرف من لم يعرف حتى الآن طبيعة رئيس الوزراء ونهجه وسياساته الكثيرة وتصريحاته المتواصلة ونتائج الإصلاح والتغيير المحدودة جدا.