تغيير نظام المحاصصة الطائفية والتوجه صوب المجتمع المدني الديمقراطي والدولة المدنية الديمقراطية لا يأتي من خلال قوى المحاصصة الطائفية ذاتها، هذه القوى التي استطاعت بدعم من المحتل وإيران وأهدافهما التي لا تتناغم بأي حال مع أهداف الشعب العراقي ومصالحه الأساسية، تكريس سلطاتها والهيمنة على ثروة البلاد بأساليب فاسدة وتعزيز نفوذها وأدوات حكمها، كما لا يأتي التغيير الجذري المنشود، الذي يسعى إليه الشعب، من خلال العمل مع تلك القوى والدول المجاورة، السعودية وقطر وتركيا، التي تريد إقامة البديل الطائفي المقابل لتحقيق أهدافها ومصالحها الأنانية على حساب أهداف ومصالح الشعب العراقي، بل إن التغيير يأتي من خلال عمل القوى والأحزاب الوطنية العراقية، الأحزاب الديمقراطية والقوى المستقلة المؤمنة بإرادة الشعب وأهدافه ومصالحه الآنية وذات المدى البعيد، الدؤوب والمستمر بلا تعب أو كلل مع الشعب العراقي، وخاصة مع شبيبة العراق من الذكور والإناث.
فالشبيبة العراقية هي القوى المحركة صوب التغيير وقاعدته الأساسية وأداته الفعلية، إنها الشبيبة المنحدرة من كل الطبقات والفئات الاجتماعية التي تعي حقيقة ما جرى ويجري بالعراق منذ ما يزيد على خمسين عاماً، وبشكل خاص في فترتي الحكم القومي اليميني الشوفيني والاستبدادي.
وفي فترة الاحتلال وتكريس الحكم الطائفي والمحاصصة الطائفية حتى الوقت الحاضر، والتي لا ترى مصلحة لها في استمرار مثل هذا النظام في الحكم الذي لم يجلب لها وللمجتمع غير الصراع والنزاع والفساد والموت والخراب للبلاد وتدمير تراثه الحضاري الإنساني ومقومات العيش الأمن فيه. إن عملية التغيير يمكن أن تتم عبر ثلاث طرق معروفة للجميع:
- إما بانقلاب عسكري يمسك السلطة ويقود البلاد إلى استبداد جديد لا يمكن القبول به والخضوع له؛
- وإما بثورة شعبية جارفة قادرة على وضع قوى جديدة على رأس السلطة السياسية لقيادة البلاد صوب شاطئ السلام والأمان، ومثل هذه الثورة لا تتوفر ظروفها ومستلزمات تحقيقها حالياً، لأنها لا تحصل بإرادة ذاتية لفرد أو جماعة صغيرة، بل تحصل حين يدرك الشعب بأنه لم يعد قادراً على العيش في ظل حكام اليوم، وحين يرفض الحكام إجراء التغيير، مما يوفر الشروط المناسبة للتغيير الثوري بالبلاد، وهي عملية طويلة ومعقدة خاصة وأن الوعي الاجتماعي ما يزال لم يصل إلى مستوى الخلاص من التشويهات والتزييفات العالقة في أذها الناس؛
- وإما عبر العمل السياسي والثقافي والإعلامي الصبور والدؤوب غير المنقطع في صفوف الشبيبة من الإناث والذكور لرفع الغشاوة عن أذهان الناس وعن وعيهم بما جرى ويجري بالعراق، من خلال جعلهم يدركون أن حياتهم المذلة والرثة الراهنة لا تُعوض بحياة أخرى.
ومع إن هذه العملية معقدة وطويلة الأمد، وكما قال عنها صديقي الكاتب والصحفي رضا الظاهر بأنها "حفر أو نقر في الصخر"، ولكنها مقبولة وممكنة في عملية تغيير سلمي وديمقراطي، رغم إن الحكام الحاليين غير سلميين وغير ديمقراطيين، كما برهن على ذلك وبشكل ساطع ممثلهم الطائفي المقيت وبامتياز نوري المالكي في مواقفه إزاء التظاهرات الشعبية في عام 2011 و2013 ، وفي موقفه الجامح للانتقام في الفلوجة والرمادي ومن أهل الموصل وعموم نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وفي ما وقع من اجتياح واحتلال وقتل وتشريد وسبي واغتصاب وبيع في سوق النخاسة وموت للآلاف من أبناء وبنات العراق الأبرياء، إضافة إلى ضحايا معسكر سبايكر. (راجع تقرير صحيفة الأندبندت البريطانية المنشور في جريدة طريق الشعب، العدد 136/ سنة 81، 28 شباط/فبراير 2016، الصفحة الأولى وبعنوان "كشف النقاب بالتفاصيل عن الأسباب والمسبب في سقوط نينوى، رئيس الوزراء السابق تجاهل تحذيرات تؤكد نية داعش الهجوم على الموصل").
إن الحراك الشعبي العراقي الجاري عالياً، حيث تلعب جمهرة طيبة من الشبيبة العراقية دوراً مهماً في استمرارها وممارسة الضغط المطلوب على الحكم لفرض تغيير النخب الحاكمة والحكم ونظام المحاصصة من جذوره ومسببيه والفاعلين فيه، إنها الوسيلة الممكنة الراهنة التي يفترض أن تستخدم للوصول أكثر فأكثر إلى الطلبة والعمال الشباب والشابات، إلى الكسبة والحرفيين، إلى المزيد من المثقفين والمثقفات الشباب، إلى الريف العراقي، رغم خلوه من الشبيبة في الوقت الحاضر، إلى الشبيبة العرب والكرد والتركمان والكلدان الاشوريين السريان، إلى أبناء وبنات أتباع الديانات والمذاهب والآراء الفلسفية، إلى المتطوعين في القتال ضد عصابات داعش المجرمة.
إن توجه قوى الحراك الشعبي والمساندين لهم من القوى والأحزاب والجماعات والشخصيات المستقلة نحو تعبئة الشباب التي تعمل في الأحزاب الإسلامية السياسية، سنية كانت أم شيعية، لكسبها إلى جانب الحراك الشعبي وأهدافه النبيلة، سيشكل قاعدة العمل الإنساني السياسي والثقافي الفعلي لعملية التغيير الجذرية وليس لإصلاح ترقيعي يعدون به ولا يفون بما وعدوا!
إن شبيبة العراق من عمال وعاملات، وكادحين وكادحات، وطلاب وطالبات، ومثقفين ومثقفات، وفلاحين وفلاحات، وكسبة وحرفيين، ومن بنات وأبناء البرجوازية الصغيرة والمتوسطة، إنهم جميعاً عماد وقاعدة وأداة وقوى التغيير الفعلي والجذري بالعراق، وهم الذين ينبغي أن نتوجه لهم ونعمل في صفوفهم ونجعلهم في قيادة الحراك الشعبي والتغيير الجذري المنشود.
فهم الذي يعانون من التهميش والبطالة والفقر والبؤس والحزن الدائم، والحرمان من الحياة الآمنة والمستقرة والسعيدة وهم الذي يواجهون عصابات داعش الإجرامية ومن لف لفها.
وهم الذين أدركوا أم سيدركون بأن نظام المحاصصة الطائفي هو أساس معاناة الشعب، وهم في مقدمة من يعانون!