أولاً: الحرب ضد الدواعش ومن معهم
إن القوات المسلحة العراقية بكل صنوفها، وقوات البيشمركة كجزء منها، والمتطوعين النشامى، تخوض مجتمعة كفاحاً مسلحاً عنيداً ومظفراً ضد أعداء الشعب والوطن، حرباً ضد الدواعش المتوحشين القتلة، ضد عصابات الغدر والجريمة، ضد الذين مارسوا جرائم الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان ومسلمين عرب بمحافظة نينوى، وكذلك بالأنبار وصلاح الدين وغيرهما، والذين مارسوا جرائم محو الذاكرة الحضارية للعراق الحبيب بتهديم ما تركه الأسلاف من معالم حضارية رائعة تعتبر كنزاً ثميناً للبشرية كلها.
وسير المعارك الجارية يشير إلى قدرة هذه القوات المشتركة على سحق هذه العصابات وطرد بقاياها من أرض العراق التي دنستها، سواء قصر الوقت أم امتد قليلاً إلى حين تحرير الفلوجة والموصل الحدباء من هؤلاء الصعاليك الأوباش.
إن الانتصارات على جبهات القتال لا تتم إلا بتقديم الكثير من الضحايا العزيزة على كل إنسان شريف بالعراق، الكثير من الشهداء والجرحى والمعوقين، والكثير من دموع الأمهات الثكالى والأخوات والأبناء والبنات، والكثير من الدمار والخراب.
إنها ضريبة التحرر والانعتاق، ضريبة الحياة الحرة.
إلا إن الحفاظ على هذه الانتصارات والخلاص من آخر تكفيري ومجرم أثيم يتطلب تحقيق ثلاث مسائل لا خيار لنا فيها:
** تحقيق الوحدة الوطنية للشعب العراقي بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه واتجاهاته الفكرية والسياسية الوطنية والديمقراطية في جميع أنحاء العراق. ومن أجل تحقيق هذا الهدف الغالي والنفيس يستوجب تحقيق:
** الخلاص من النظام السياسي الطائفي والمحاصصة الطائفية سلمياً وديمقراطيا، أي يستوجب العمل على التغيير الجذري لمواجهة حقائق الوضع التي لا يمكن تجاوزها، فضياع هوية المواطنة الموحدة والمتساوية، والعمل بالهويات الفرعية القاتلة للوحدة الوطنية، وسيادة الفساد المالي والإداري في عموم العراق، واستمرار الصراع بين الأحزاب الإسلامية السياسية على السلطة والمال والنفوذ بعيداً عن هموم ومصالح وإرادة الشعب وحاجة الوطن المستباح في جزء منه بجرائم الدواعش المجرمين ومن يماثلهم، تعطل القدرة على الاحتفاظ بالانتصار الدائم والنشود؛
** رفض أي شكل من أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للشعب العراقي، أياً كانت الجهة أو الدولة، إذ إن الدول المجاورة والدول الكبرى تنقل صراعاتها إلى الساحة العراقية، كما تفعل الآن بسوريا.
إن استمرار نظام المحاصصة الطائفية والفساد وغياب الوحدة الوطنية واستمرار من تسبب بكل ذلك دون حساب هي من أبرز الأسباب الكامنة وراء استمرار معاناة الشعب والخسائر الفادحة في الأرواح والأموال والممتلكات والخدمات وكل ما يعاني منه الشعب العراقي حالياً.
وإن تأجيل الإصلاح والتغيير والتحايل عليه لن يقود إلا إلى تهديد المكاسب التي تتحقق يومياً في جبهات القتال الواسعة.
ثانياً:مواجهة أوضاع الشعب المعيشية
تشير المعطيات الإحصائية بالعراق إلى ثلاث حقائق جوهرية:
** اتساع مستمر وكبير في الفجوة المالية والمعيشية بين الأغنياء والفقراء، سواء أكان الأغنياء ضمن النخبة الحاكمة أم من العاملين في المضاربات العقارية والمالية والمصرفية والعقود الحكومية، أم عبر أشكال أخرى من الفساد والسحت الحرام لهؤلاء معاً.
وتعيش اليوم نسبة عالية من صغار ومتوسطي الموظفين والعاملين في أجهزة الدولة دون رواتب لأشهر عديدة أو بجزء ضئيل منها، والذي سيقود إلى مزيد من التذمر والاحتجاج ورفض الواقع القائم.
** اتساع مستمر وكبير في قاعدة الفقراء والمعوزين والأشد فقراً، وشمولها لأوساط جديدة من فئات البرجوازية الصغيرة وغياب الفئة المتوسطة تقريباً. في حين يزداد غنى الأغنياء من السحت الحرام.
** تراجع شديد ومستمر في الخدمات الاجتماعية، وخاصة للفئات الكادحة والفقيرة، التي تعيش على هامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في حين تتمتع الفئات الغنية بما حرمت منه الفئات الفقيرة.
وهذه الظواهر الصارخة لا تقود إلى وحدة الشعب بأي حال، بل إلى مزيد من التناقض والصراع والنزاع الداخلي، وهو ما يميز الوضع الراهن بالعراق.
وهو الواقع المكمل لظاهرتي المحاصصة الطائفية والفساد.
ثالثاً: الخلافات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم ليس هناك من عاقل، كما أرى، يمكنه أن يرمي بمسؤولية الخلافات على طرف واحد، سواء أكانت الحكومة الاتحادية أم حكومة الإقليم، فكلاهما، وبهذا القدر أو ذاك، مسؤول عما وصلت إليه العلاقات المتدهورة بينهما.
والتعقيدات المقترنة بها ناشئة بالأساس من إصرار الطرفين على الالتزام بالنهج الطائفي الأثني في حكم البلاد وبالمحاصصة الطائفية في توزيع المناصب في سلطات الدولة الثلاث، إضافة إلى تعطيل عمل مجلس النواب العراقي ومجلس النواب بإقليم كردستان العراق، بعيداً عن الشرعية الدستورية والحيا الديمقراطية.
إن العودة إلى العقل والحكمة يتطلب أولاً وقبل كل شيء الابتعاد عن نظام المحاصصة الطائفية والأثنية في توزيع سلطات الدولة العراقية والالتزام بمبدأ المواطنة.
ويتطلب ثانياً الالتزام بالشرعية الدستورية والديمقراطية في الحكم والتداول السلمي والديمقراطي للسلطة في دولة مدنية ديمقراطية علمانية وإقليم ديمقراطي علماني، وهو الغائب حالياً على مستوى الدولة الاتحادية وعلى مستوى الحكم بالإقليم.
والتغيير الجذري ومحاربة الفساد والالتزام بالديمقراطية كفلسفة وأدوات حكم هو السبيل الوحيد لإصلاح الوضع وإعادة العلاقات السوية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم.
إنه الحاجة الملحة لا للانتصار على داعش وطرد هذا التنظيم الإجرامي من البلاد كلها فحسب، بل والحفاظ على الانتصارات وتأمين التقدم بالعراق كله، ومعه إقليم كردستان العراق.