في مقال كتبته قبل فترة وجيزة تحت عنوان "كفوا عن الضحك على ذقون الشعب، كفوا عن مهازلكم!!،
جاء في موقع منه عن بعض شيوخ دين ممن استجاب لإرادة السياسة الفاشية لنظام الحكم البعثي - القومي في العام 1963 حين كفر الشيوعيين، وبالتالي أحل دم الشيوعيين والقوى المدنية والعلمانية باعتبارهم ملحدين! و"على النسق ذاته بدأت حملة شعواء تمارسها مجموعة من أصحاب العمائم، وهم جمهرة من شيوخ دين سياسيين انحازوا ضد إرادة ومصالح الشعب حين راحوا يؤججون المشاعر وكأن الشبيبة العراقية كلها بدأت تنحاز صوب الإلحاد. وهم يعرفون إن ليست هناك مثل هذه الظاهرة، بل إن هناك رفضاً متعاظماً واحتجاجاً ضد شيوخ الدين الفاسدين والمتربعين على رأس السلطة وفي الأحزاب الإسلامية السياسية الذين مسخوا الدين بسلوكهم اليومي المناهض لمصالح الشعب. ويقف على رأس هؤلاء نوري المالكي وعمار الحكيم، والأخير يعيد إنتاج تاريخ جده الأسود في هذا المجال." وكان لزاماً عليّ أن أكتب "يعيد تاريخ جده المخزي مثلاً، وليس الأسود! والسؤال الذي يستوجب الإجابة عنه هو: هل كان هذا الخطأ زلة لسان منّي، أم إنه يشكل جزءاً من تراثنا الثقافي العربي والإسلامي، بل والبشري، السلبي الذي صبغ اللون الأسود دون أدنى مبرر بالسوء؟ ألم يكن هذا الاستخدام جزءاً من التراث الاستعماري والعبودي الذي مارسته القوى العنصرية ومن ثم الاستعمارية، ومنهم المستعمرون المسلمون العرب، ضد الشعوب السوداء بذهنية عنصرية وقحة وعلى امتداد عشرات القرون، بحيث ما تزال هذه المخلفات السيئة عالقة في أذهان حتى القوى الديمقراطية والتقدمية وأنصار حقوق الإنسان في العالم، وأنا منهم؟ نعم هذه هي الحقيقة المرة التي يفترض أن نعترف بها ونكافحها! حين قرأ زميلي الفاضل والمناضل الدكتور محمد أحمد محمود، صاحب كتاب نبوة محمد، مقالي المذكور أعلاه، اشار لي برسالة شخصية بأن المقال قد أعجبه كثيراً، ولكن حين وصل إلى الموقع الذي ذكرت فيه اللون الأسود بموقع السوء، كما جاء في أعلاه، أشار بأنه انزعج كثيراً، رغم معرفته بنيتي الحسنة، وهو على حق تماماً، إذ أن الألوان كلها واحدة ولا يجوز تمييز لون منها بالإساءة، كما جاء في مقالي. لقد أدركت بأن ما كتبته لم يكن زلة لسان، بل كان بتأثير الثقافة البالية التي ما تزال تعيش معنا ونستخدمها دون أن نعي سلبياتها وأسباب نشوئها ومدى إساءتها للآخرين من أخوتنا وأخواتنا من ذوي البشرة السمراء أو السوداء. لقد تعودنا أن نقول بالسوق الأسود بدلاً من القول بالسوق الموازي، وأن نقول حظه الأسود، بدلاً من أن نقول حظه العاثر، وأن نقول تاريخ الرجل الأسود بدلاً من أن نقول تاريخ الرجل المخزي، على سبيل المثال لا الحصر.
لقد علمني الدكتور محمد محمود درساً ثميناً لن إنساه، وأتمنى على جميع أنصار حقوق الإنسان وجميع الكتاب وعموم المجتمع أن ينتبهوا إلى ذلك ليتخلصوا معي من ترديد ما وصل إلينا من خطاب يعود للثقافة البالية في جميع لغات العالم تقريباً وفي جميع الحضارات التي مرت بها البشرية، ربما في ما عدا الأوائل الذين لم يكونوا يعيشون تحت وطأة العنصريين والمستعمرين، دون أن نعي وعياً سليماً ما وراء ذلك. ليس هناك ما يميز اللون الأسود عن اللون الأبيض أو الأحمر إلا في الثقافة والنظرية العنصرية التي قسمت البشرية إلى ثلاثة أجناس وربطتهم بأبناء النبي نوح الثلاثة "يافت وسام وحام", وله كما يقال أبن رابع، وادعت هذه النظرية إن يافت هو الجد الأكبر للجنس الآري، الجنس الذي يتميز بالسمو والخلق الكريم والإبداع والمبادرة والخلق والسيادة. ثم ادعت إن سام هو الجد الأكبر للساميين أو الآسيويين، ومنهم العرب واليهود، وهم الوسط بين جنسين، فهم أقل شأناً من الآريين، ولكنهم أعلى شأناً من الحاميين أو الأفارقة، إذ ادعت هذه النظرية العنصرية البالية بأن الجد الأكبر للحاميين أو الأفارقة هو حام بن نوح.
وبسبب خطيئة ارتكبها حام، صبغ "الله" أبناءه وأحفاده باللون الأسود، وكتب عليهم أن يكون خدما أو عبيداً لأسيادهم من الجنس الآري، ومن ثم للجنس السامي! هل هناك نظرية وقحة أوقح من هذه النظرية العنصرية؟ إننا هنا نتبين بوضوح مدى وقاحة هذه النظرية وتخلفها وعدوانيتها، إذ يفترض أن ننتبه إليها في كتاباتنا التي نرددها في غالب الأحيان دون أن نعرف مصدر هذه الأسطورة الخرافية والعلاقة التي شوهها العنصريون، العلاقة بين اللون الأسود والسوء، أي علينا أن ننتبه في استخدامنا لكلمة أسود أو اللون الأسود لكي لا نتحول إلى عنصريين دون أن نعي ذلك. هناك مصلحات أخرى في اللغة العربية التي يفترض ان ننتبه إليها أو يفترض أن نتجاوز لغتنا الذكورية ونجعلها ذكورية أنثوية في آن واحد والتي سأعود إليها في مقال آخر.