"من يعتقد بأنه صديق الشعب الكردي ويناضل معه في سبيل تحقيق طموحاته وتطلعاته المستقبلية وحياته الكريمة والمزدهرة، يفترض فيه أن يكون صريحاً، واضحاً وأميناً لمبادئه وصداقته، مقتنعاً بالديمقراطية وحقوق الإنسان ومدافعاً عنها دون تردد ومنتقداً لما يراه خلاف ذلك دون وجل أو مجاملة، وبغيره تفقد الصداقة مضمونها الإنساني النبيل!!"
ك. حبيب
1.خطأ التعويل على الخارج
لقد خاضت الحركة التحررية الكُردية بالعراق تجارب كثيرة بين 1926-1991 واغتنت بدروس مهمة من بينها ضرورة عدم الاعتماد على الدول الأجنبية في تحقيق مصالح شعبها، إذ إن العلاقات الدولية تقوم على المصالح وليس على "الحب" المتبادل!وهكذا كان الأمر قبل العام 1975 وفي اتفاقية الجزائر العدوانية وبعد ذاك.
إن التعويل الفعلي والأساسي يفترض أن يكون على التحالف العربي - الكُردي وبقية القوميات داخل البلاد واعتبار الخارج عامل ثانوي وليس رئيسي في تحقيق الأهداف والمصالح الأساسية للشعب الكُردي والقوميات المتعايشة معه بالإقليم. ويفترض أن تتعلم النخب الحاكمة بالإقليم من هذه الدروس لصالح الشعب الكُردي ولصالحها بالذات. وهو ما لم يتجل حتى الآن في سياسات الإقليم، بل استمر التعويل على الخارج وأهمل الداخل تماماً رغم التنبيه والتحذير بهذا الصدد.
2. العلاقات بين الأحزاب الكُردستانية
من بين الدروس المهمة التي يفترض أن تكون الحركة التحررية الكُردية قد اغتنت بها نشير إلى مخاطر الحروب الداخلية بين القوى الكُردستانية ذاتها. فتجارب الفترة الواقعة بين 1964-1998 حيث بدأ الصراع بين أجنحة الحزب الديمقراطي الكُردستاني وتحول تدريجاً إلى كمائن وقتال متبادل وثم إلى معارك عسكرية بعد العام 1976، أي بعد تشكيل الاتحاد الوطني الكُردستاني وبروز قوى سياسية جديدة منبثقة في أغلبها من رحم الحزب الديمقراطي الكُردستاني تعمل بكردستان واستمرار هذه الصراعات المدمرة في فترة الحركة البارتيزانية ومآسي معارك بشت آشان إلأولى والثانية وما بعدها، وخاصة في فترة التسعينات من القرن الماضي وأكثرها مرارة في العام 1995/1996 والعواقب الوخيمة لكل ذلك على الشعب الكُردي والقوميات الأخرى والقوى والأحزاب والقوى الوطنية العراقية.
إن التجارب تؤكد بما لا يقبل الشك بأن وحدتها وتعاونها هي الضمانة لتحقيق النجاحات والتقدم لصالح الشعب وقواه السياسية. ويبدو لي حتى الآن، رغم الخسائر الجديدة في الصدامات مع المظاهرات، عدم وجود قتال فعلي بين القوى السياسية الحاكمة، إلا إن القوى والأحزاب المتصارعة سياسيا لم تستفد من هذه الدروس بما يقود إلى اعتماد مبدأ الديمقراطية والدستور المدني الديمقراطي في معالجة مشكلاتها الداخلية، وهو الأمر الذي يمكن أن يقود إلى عواقب وخيمة على المجتمع الكُردستاني ومنجزاته المهمة خلال السنوات المنصرمة.
لا يمكن إرساء وحدة القوى وتعاونها إلا بسيادة الحريات العامة والالتزام بالدستور والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات الصغيرة بالإقليم ونشوء قوى متنافسة ديمقراطياً على الحكم مع وجود معارضة سليمة وموضوعية وواعية في مقابل قوى حاكمة تتسم بذات السمات الديمقراطية.
3. الحقوق القومية
لقد عاني الشعب الكُردي الأمرين على أيدي الحكام الشوفينيين العرب منذ العام 1926، وبشكل خاص في فترة حكم البعث الاستبدادي والشوفيني، ومنها سياسات التهميش والتمييز والحروب بسبب مطالبتهم بالحقوق القومية المشروعة والعادلة لا غير. وقد حقق الشعب الكُردي منجزاً كبيراً بنضاله البطولي المديد وتضحياتهالكبيرة في العام 1992 حين أعلن عن قيام الفدرالية الكُردستانية ضمن الدولة العراقية.
وهذه التجارب الغنية يفترض أن تجعل القوى السياسية الحاكمة حساسةً وواعيةً لأهمية تمتع القوميات الأخرى التي تقطن بالإقليم، وهي من سكان البلاد الأصليين، بحقوقها المشروعة والعادلة، ومنها عدم اللجوء إلى التغيير الديموغرافي للسكان المسيحيين على نحو خاص، كما حصل للكُرد بكركوك وغيرها مثلاً.
إن أصوات الاحتجاج التي بدأت تتصاعد من جانب المسيحيين، أو بتعبير أدق، من جانب الكلدان الآشوريين السريان في المناطق التي تشرف عليها رئاسة وحكومة الإقليم والمذكرات والوثائق التي قدمت بهذا الصدد تثير الرأي العام العراقي والعالمي وتؤثر سلباً على وحدة المجتمع وعلى الموقف من رئاسة وحكومة الإقليم.
وأعتقد إن من الضروري إعادة النظر بهذه السياسة التي تناقض مبدأ حقوق الإنسان وحقوق القوميات ورفض مشاريع التغيير الديموغرافي.
4. الفساد المالي والإداري
تؤكد المعطيات المتوفرة والتي يتحدث بها الشعب بالإقليم وتشير إليها المؤسسات الإعلامية الدولية ومنظمة النزاهة الدولية إلى ثلاث مسائل جوهرية، وهي:
التعيينات الوظيفية في كل من أربيل ودهوك لا تتم إلا بموافقة من الحزب الديمقراطي الكُردستاني مع ضرورة الولاء له، في حين لا تتم التعيينات الوظيفية بالسليمانية وإلى حد ما بكركوك إلا بموافقة الاتحاد الوطني الكُردستاني والمساومة مع حزب التغيير (كوران) والولاء لهما. وهو أمر بالغ الضرر على مجمل الشعب الكُردي والقوميات الأخرى وعلى المستقلين على نحو خاص، إذ يعتبر جزءاً من الفساد العام المخالف للدستور ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهو أحد العوامل التي قادت في دول أخرى، ومنها العراق، إلى كوارث كبيرة والتي مارستها حكومة نوري المالكي الطائفية والشوفينية والتي لم تنته ببغداد حتى الآن. من يتابع الوضع بالإقليم يستطيع تشخيص واقع الفجوة المتسعة بين الأغنياء والفقراء من ذوي الدخل المحدود. وهذه الفجوة الداخلية والمتجلية في مستوى حياة ومعيشة الفرد والفئات الاجتماعية الغنية والفقيرة ستقود، شاءت الأحزاب الحاكمة أم أبت، إلى تفاقم الصراع الاجتماعي (الطبقي)، وعند عدم إيجاد حلول عملية له، يتحول بالضرورة الجدلية إلى نزاع سياسي ويتخذ مجرى آخر لا بد من تقديره منذ الآن. وقد تفاقم هذا الأمر في الفترة الأخيرة بسبب الأزمة المالية وأزمة أسعار النفط الخام وتوقف نشاط الشركات الأجنبية والمحلية وتفاقم البطالة وعدم دفع الرواتب لعدة شهور والمعاناة الكبيرة لذوي الدخل الشهري المحدود والتي يمكن أن يعيشها الإنسان في أسواق كُردستان وفي الشوارع والتي بدأت الإضرابات والمظاهرات التي تجابه بأسلوب غير ديمقراطي رغم إقرار الدستور بحق الإنسان على ممارسة الإضراب والتظاهر والتجمع السلمي والديمقراطي.
تابعونا