كان المجتمع الدولي على وشك الاتفاق على موقف مشترك في مواجهة التنظيمات الإرهابية، داعش والنُصرة وغيرها، بعد الأحداث الدامية التي نفذتها عصابات داعش الإجرامية ضد الشعب الفرنسي والدولة الفرنسية وراح ضحيتها 130 مواطنةً ومواطناً فرنسياً ومئات الجرحى والمعوقين في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، حين أسقط الطيران الحربي التركي طائرة حربية (سوخوي 24) في الأجواء السورية بذريعة اختراقها لمدة 17 ثانية الأجواء التركية. وحين حط أحد الطيارين الروس على الأرض السورية قامت العصابات الإرهابية التي تمولها تركيا، وهم من التركمان السوريين، بقتل الضابط الروسي شر قتلة. فما هي الأسباب الكامنة وراء إسقاط الطائرة الروسية؟
لم نكن يوماً نشك بأن النظام القائم بسوريا هو نظام دكتاتوري مناهض لمصالح الشعب السوري. وفي مواجهة هذا النظام نشطت حركة مدنية ديمقراطية سلمية تعمل على التغيير السلمي والديمقراطي للخلاص من الدكتاتورية البعثية والدكتاتور بشار الأسد. وكان في مقدور هذه الحركة السلمية تحقيق التغيير المنشود رغم إمعان النظام بسياساته القمعية وذلك بكسبها المزيد من أبناء الشعب والرأي العام العربي والعالمي والمجتمع الدولي.
إلا أن تشبث النظام بالسلطة على حساب الشعب وإرادته ومصالحه سمح بتدخل دول إقليمية في الشأن السوري وهيمنتها على غالبية قوى المعارضة المدنية في الخارج. فتشكل محور سياسي رجعي قوامه تركيا، السعودية، قطر ودول خليجية أخرى فرض نفسه على خط النضال السلمي وحوله إلى عمليات عسكرية بدعم مباشر بالمال والسلاح الدعاية الواسعة وفتح الحدود التركية السورية لولوج عشرات الألوف من الإرهابيين إلى سوريا والعراق خلال السنوات الثلاث المنصرمة. ولم تكتف بذلك بل ساهمت بتشكيل تنظيمات إرهابية مسلحة مثل داعش وجبهة النُصرة وأحرار الشام وجيش الفتح ومدتها بما تحتاجه لإسقاط الدولة السورية وليس النظام وحده. وكانت الولايات المتحدة الراعية الفعلية لهذا التآمر، إضافة إلى فرنسا وبريطانيا.
هذا الواقع نشأ بذريعة وجود محور آخر من إيران وسوريا وحزب الله، مع إسناد له من روسيا الاتحادية.
يبدو للمتتبع وكأن الصراع بين المحور الأول والمحور الثاني طائفي أي سني شيعي، في حين أنه في حقيقة الأمر صراع للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط ويتخذ من الدين والمذهب واجهة له.
وفي مقابل تعزز مواقع القوى الإرهابية بسوريا، تم إضعاف قوى المجتمع المدني الديمقراطية وهيمنت تركيا والسعودية وقطر على القرار الفعلي لأغلب قوى المعارضة السورية، فهناك من يرفض هذه الهيمنة في الداخل والخارج. لقد كلف الصراع المسلح بسوريا بين قوى الإرهاب والنظام السوري الشعب ما يقرب من ستة ملايين من المهاجرين داخل البلاد وخارجه وأكثر من 300 ألف قتيل وأضعاف ذلك من الجرحى والمعوقين، وإلى خراب الكثير من المدن السورية وأريافها وإلى تدمير الكثير من التراث الحضاري.
الإعلام العالمي كان ينشر معلومات عن تورط تركيا بدعم متنوع لعصابات داعش والنصرة وغيرها، إضافة إلى دور تركيا في تصريف النفط السوري والعراقي عبر وسطاء في أسواق أوروبا وإسرائيل، وهو ما أكدته روسيا أخيراً. وتركيا تحقق بذلك أرباحاً طائلة من النفط السوري والعراقي المهرب. كما إنها كانت بتأييدها لتلك القوى الإرهابية تعمل على استمرار القتال وسقوط المزيد من القتلى والجرحى وعدد الهاربين من الحرب.
وحين استخدمت روسيا طيرانها العسكري وجهت ضربات قاسية وكثيفة ضد عصابات الإجرام والقتل والنهب والسلب وتدمير المدن وتهريب النفط الخام, أثار غضب تركيا وبقية قوى المحور الأول مما دفعها إلى إسقاط الطائرة الروسية.
ويمكن تسجيل أهداف تركيا وراء ذلك:
- إعاقة تشكيل تحالف دولي واسع بمبادرة من فرنسا ورئيسها هولاند.
- إيقاف الضربات الجوية الروسية لضد داعش والنصرة وجيش الفتح وأحرار الشام لمواصلة حربها ضد الدولة السورية وضد العراق.
- الإصرار على إسقاط م بشار الأسد مهما كان الثمن.
- إيقاف دعم القوات الكردية بسوريا والعراق من جانب التحالف الدولي، رغم الموقف الانتهازي الأمريكي والأوروبي في الموافقة على ضرب تركيا لمسلحي حزب العمال الكردستاني.
- منع توقف إيصال النفط المسروق عبر داعش وغيرها إلى تركيا ومنها إلى السوق العالمي.
- ولكن القيادة التركية المستبدة لم تقدر رد الفعل الروسي وبهذه القوة وعدم قدرة العالم الغربي بالوقوف ضد روسيا القادرة على لعب دور مهم في المعارك الجارية ضد الإرهاب وفي الوصول إلى حل سلمي عادل لصالح الشعب السوري.
واليوم راحت تركيا أبعد من ذلك إذ إنها أرسلت قوات مسلحة إلى العراق دون موافقة الدولة العراقية وبالتنسيق مع رئاسة وحكومة الإقليم. وهو أمر مخالف للدستور العراقي ودستور الإقليم أيضاً، وبالتالي فهو تجاوز وانتهاك شديد للسيادة العراقية وتدخل يجب إيقافه حتى لو كان بموافقة رئاسة الإقليم بذريعة تدريب قوات البيشمركة.
إننا ندين بقوة الصراع الإقليمي الدائر بسوريا والعراق حالياً تحت واجهة الصراع الطائفي السني الشيعي. ونعتقد بان الشعب السور سيتخلص من قوى الشر والعدوان كما سيتخلص من قوى النظام البعثي الدكتاتوري لصالح قيام دولة مدنية ديمقراطية بسوريا ولصالح التغيير الديمقراطي الجذري وضد المحاصصة الطائفية بالعراق.