يقال هذا المثل الشعبي، الذي تحول إلى أغنية شعبية عراقية تقول " يا حافر البير لا تغمج مساحيها خاف الفلك يندار وانت التگع بيها"، حين يحاول البعض أو الدول التآمر بطرق خبيثة ضد البعض الآخر أو الدول الأخرى. ويصح هذا المثل على ما يجري بالعراق حالياً حين يحاول نوري المالكي وأتباعه ومريديه التآمر ضد رفيقه في الحزب حيدر العبادي وضد الإصلاح والتغيير وضد إرادة المجتمع العراقي والدولي وضد نصيحة المرجعية الدينية الشيعية الاجتماعية في تحقيق الإصلاح والتغيير الذي تطالب به الجماهير الواسعة.
وهذا المثل الشعبي النابت ينطبق حالياً على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وعلى سياساته التي مارسها في السنوات الأخيرة وخاصة في السنتين الأخيرتين في تحالفه مع السعودية من جهة، ومع قطر من جهة أخرى، وهما الدولتان اللتان رعتا داعش بكل السبل والإمكانيات المتوفرة لديهما، وسكوت الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك، وغالباً ما يكون السكوت علامة الرضا!
لقد فتح رجب طيب أردوغان أبواب بلاده وأسواقه ومستشفياته أمام تنظيم داعش الإرهابي الدولي وسمح لعصاباتهم الجهنمية بالمرور إلى سوريا والعراق، كما سمح للأسلحة القادمة من هاتين الدولتين ومن شيوخ وأثرياء بالعبور والوصل إلى المجرمين القتلة ووصول الأموال عبر بنوكها إلى هذه العصابات. ولكن هذه العصابات لم تكتف بالدخول إلى سوريا والعراق، بل قامت ببناء بنية تحتية واسعة وقوية في تركيا وخلايا نائمة من الأتراك ومن غيرهم بالمدن التركية الحدودية وفي المدن الكبرى أيضاً كالعاصمة أنقرة واسطنبول، وربما في المناطق السياحية أيضاً. وخلال العامين المنصرمين ارتكبت هذه العصابات المجرمة أبشع الجرائم في كل من العراق وسوريا وتحت سمع وبصر وموافقة تركيا وقواتها العسكرية واحتضانها لجرحاها وتأمين تموينها بالسلع والمعدات. وحين هب المجتمع الدولي ضد السلطان التركي الجديد الراغب في إعادة بناء السلطنة العثمانية بأسلوب جمهوري جديد، وحين رفض الكثير من الشعب الكردي هذه السياسة التخريبية بالمنطقة وتلمس ذلك في الانتخابات الأخيرة وعجزه عن الحصول على الأكثرية المطلقة، حاول تبديل سياسته إزاء داعش والاتفاق مع حلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة في الدخول بالتحالف الدولي ضد داعش, ولكن مقابل موافقة الولايات المتحدة على مناهضة حركة التحرر الوطني الكردية في كردستان تركيا وضد حزب العمال الكردستاني والقبول بتوجيه الضربات العسكرية لها لتصفية مطالب الشعب الكردية القومية وحقوقهم المشروعة والعادلة. وكانت هذه المساومة التعبير الصارخ لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية التي ينطلق عليها المثل الكردي "مناخان، صيف وشتاء، على سطح واحد لا يجتمعان"، ولكن الولايات المتحدة تمارس ذلك فازدواجية المعايير والكيل بشأن القضية الكردية بالمنطقة بمكيالين هي سياستها المفضلة، وهو الأمر الذي ترفضه الشعوب وتتصدى له. وبالتالي توجهت تركيا ودفعة واحدة ضد الحركة التحررية الكردية وضد حزب العمل الكردستاني بضربات صاروخية كثيفة واعتقالات واسعة وقتل بالعشرات لمناضلات ومناضلين كُرد من جهة، وفسح المجال أمام الطيران العسكري الأمريكي باستخدام لقاعدة أنجرليك الجوية العسكرية في توجيه الضربات لمواقع داعش بالعراق وسوريا، والتي لم تأت بنتائج واضحة حتى الآن.
إن هذا التحول صوب محاربة الكرد والتخلي عن سياسة الحوار السلمي والديمقراطي مع حزب العمال الكردستاني والشعب ُ من جهة، ومواجهة ضعيفة لعصابات داعش بتركيا من جهة ثانية، أدى إلى تحرك الطرفين ضد السياسة التركية، ودفع بعصابات داعش توجيه ضربات جديدة لتركيا، ولكن في الوقت نفسه ضد الكرد. فهي تريد الانتقام من الكرد لخسائرها الفادحة في كوباني ومناطق أخرى بسوريا بسبب المقاومة البطولية للكُرد أولاً، وتريد الانتقام من الحكومة التركية لسماحها للقوات الجوية الأمريكية بضرب بعض مواقعها بسوريا والعراق من قاعدة أنجرليك، وليس لطريق إمداداتها بين الرقة والموصل مثلا ثانياً. فكانت العمليات الانتحارية التي نفذتها، كما يبدو، عصابات داعش ضد المسيرة السلمية والديمقراطية للكُرد التي انطلقت بالعاصمة أنقرة التي تطالب الحكومة التركية بالعودة إلى المفاوضات مع ممثلي الشعب الكردي التي أدت إلى وفاة 128 شهيداً وجرح وتعويق ما يقرب من 200 إنساناً من الكرد. ومع إن عصابات داعش هي المنفذة لهذه الجريمة البشعة، إلا إن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الحكومة التركية ورئيس الدولة رجب طيب أردوغان لسياساته العسكرية المناهضة للشعب الكُردي وحقوقه المشروعة وتعاونه مع العصابات الإرهابية المتطرفة ضد مصالح شعوب المنطقة وخاصة الشعبين العراقي والسوري، وكذلك ضد الشعب الكُردي وفي المحصلة النهائية ضد المصالح الحقيقية للشعب التركي.
ومن هنا صح عليه المثل الشعب"من حفر بئراً لأخيه سقط فيه"، رغم إن الآلام والعذابات الناتجة عن هذه السياسات الرجعية والتآمرية تتحملها الشعوب.